كتب أنجوس مكدوال ووليام ماكلين تقريراً في “رويترز” عن مخاوف السعودية في سوريا والعراق بعد الهزائم وفقدان نفوذها الذي إنقلب عليها.
أنجوس مكدوال ووليام ماكلين:
مع اكتساب المتشددين الإسلاميين النصيب الأكبر في الحركة المعارضة في سوريا وسيطرتها على مساحات كبيرة في غرب العراق فإن الأسرة الحاكمة السعودية تواجه أزمة مزعجة ومتفاقمة.
ويعتبر آل سعود منذ زمن بعيد الصراعات في العراق وسوريا معارك محورية بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط فهي تضع المسلمين السنة في مواجهة إيران الراديكالية الثورية الشيعية.
ولكن في سوريا والعراق فإن الحلفاء المفضلين للمملكة هزموا في مواجهة مع جماعات أكثر تشددا. وتواجه الرياض سيناريو يشكل كابوسا ماثلا في متابعة تحول دولتين عربيتين كبريين إلى تابعتين لغريمتها طهران أو أسوأ.. أن تظلا دولتين فاشلتين بشكل دائم.
وما يريده آل سعود في البلدين هو حكومة مستقرة فيها تمثيل سني قوي يمكن أن يشكل حصنا في مواجهة ما يعتبرونه نهجا توسعيا من جانب إيران والفكر السني المتشدد الذي يهدد حكمهم.
وفي سوريا حيث السعوديون الداعم الرئيسي للجماعات المتمردة بما في ذلك الجيش السوري الحر العلماني والجبهة الإسلامية التي تضم مقاتلين سنة أقل تشددا فإنه ما زال لدى الرياض بعض الخيارات التي يمكنها التأثير في نتيجة الحرب.
ولكن في العراق الذي تشاركه السعودية حدودا طولها 850 كيلومترا فإن لدى السعودية بضعة اصدقاء مجربين أو صلات راسخة مع الجماعات السنية. وهي تعلم أن الأغلبية الشيعية ستبقى القوة المهيمنة.
وقال مصطفى العاني وهو محلل سياسي عراقي له صلات وثيقة بوزارة الداخلية في الرياض “فيما يتعلق باللعبة الاستراتيجية فإن السعوديين ينتظرون لمعرفة ما سيحدث… ليست لديهم أي جماعة يمكنهم الاعتماد عليها بين العرب السنة… هم غائبون منذ عام 2003 وهذا كلفهم الكثير”.
وبالنسبة للسعوديين فإن تقدم المتشددين هذا الصيف ألحق ضررا محمودا بطهران وبرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المنتهية ولايته الذي تتهمه بأنه “إيراني مئة في المئة” ولكن المتشددين فعلوا ذلك جزئيا على حساب أمن السعودية نفسه.
وعلى الرغم من أن أراضي الدولة الإسلامية لا تحد السعودية ويبدو من المستبعد أن تشكل تهديدا عسكريا فإن كثيرا من مواطني المملكة انضموا للجماعة مما زاد المخاوف من أن يعودوا وينقلبوا ضد حكومتهم.
وبالنسبة لآل سعود فإن معظم الفصائل الإسلامية تشكل تحديا فكريا خطيرا على النظام الملكي في البلاد مما دفعهم لشن حملة على الإخوان المسلمين في مصر والتعاون مع واشنطن في التعامل مع تنظيم القاعدة.
وانتابت الأسرة الحاكمة مخاوف جمة تحفها ذكريات لهجمات شنها مقاتلون سابقون سعوديون قاتلوا في العراق في العقد الماضي. وأصدر العاهل السعودي الملك عبد الله في فبراير/ شباط قوانين مشددة جديدة استنفرت مؤسسة رجال الدين كي تنشر الوعي ضد التطرف.
وكتب الأمير محمد بن نواف سفير المملكة في لندن في صحيفة بريطانية يقول “لقد فعلنا وسنفعل كل ما بوسعنا لوقف انتشار السم الزعاف في بلادنا ومنطقتنا ونشجع كل الحكومات على أن تفعل الشيء نفسه.”
هدية لإيران
تقول السلطات السعودية إنها على صلة مستمرة بالعراقيين. وربما تملك السعودية بعض القدرة على استخدام صلاتها التقليدية للتأثير في القبائل السنية التي لها امتدادات على جانبي الحدود.
وقال نيل باتريك من معهد رويال يونيتد سيرفيسز “هناك تقليد قديم عند وجهاء القبائل في العراق والدول العربية الأخرى بزيارة أمراء السعودية وغيرهم من الشخصيات المهمة وتقديم طلبات بدعم مالي لمساعدتهم في النهوض بمصالحهم الاجتماعية والسياسية الواسعة”.
ولكن ليس لدى الرياض سفير في العراق منذ عام 1990 حينما غزا صدام حسين الكويت وهدد الأراضي السعودية. وزاد تدهور العلاقات منذ عام 2003 حينما منح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأغلبية الشيعية مزيدا من السلطات.
وقال واحد من عدة دبلوماسيين في الخليج جرت معهم مقابلة لغرض إعداد هذا التحليل إن السعودية أكبر داعم للمعونة الإنسانية للعراق بعد منحة قيمتها 500 مليون دولار قدمت من خلال الأمم المتحدة.
ولكن محاولات السعودية دعم القيادات السياسية السنية شمالي الحدود كانت متقطعة وغير ناجحة.
وقال دبلوماسي “الناس يعتقدون أن السعوديين أكثر تأثيرا مما هم عليه. هناك بعض الاتصالات ولكنها ليست اتصالات كثيرة”.
وقال دبلوماسيون إن الرياض وقطر على تواصل مع عدد من “القيادات السنية المعتدلة” في العراق تدعمانها من أجل محاصرة التأييد لمتشددي الدولة الإسلامية. ولكن العاني قال إن مثل هذه العلاقات ليست قوية.
وقال دبلوماسي إنه بينما قدمت الرياض بعض التمويل لقبائل سنية عراقية بعدما أوقفت بغداد تمويل مجالس الصحوة هناك، فإن الاتصالات وخاصة عبر قبائل شمر التي تنتمي إليها زوجة الملك عبد الله كانت محدودة.
وحتى القيادات الدينية السعودية فإنه ليس لديها تأثير يذكر على السنة في العراق الذين يتبع معظمهم مذاهب سنية مختلفة عن الفكر الوهابي المهيمن في المملكة.
حالة من الترقب
وفور الإعلان عن أن حيدر العبادي سيصير رئيسا للوزراء صرح الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بأن ذلك الخبر الطيب الوحيد الذي سمعه في الآونة الأخيرة.
وينتمي العبادي لنفس الكتلة السياسية التي ينتمي إليها المالكي ولكنه -على حد تعبير أحد الدبلوماسيين- “القاسم المشترك الأصغر الذي يقبله الجميع”.
وقال عبد الله العسكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى السعودي الذي يقدم المشورة للحكومة فيما يتعلق بالسياسات إن “العبادي ينتمي لنفس الحزب الشيعي المتطرف الذي ينتمي إليه المالكي.. لذا سيتعين عليها الانتظار لمعرفة كيف ستبدو أفعاله وليس مجرد أقواله”.
وقال مصدر خليجي كبير طلب عن الإفصاح عن اسمه إن محاولة مبكرة للتواصل معه لم تلق أي اهتمام. ولم يتسن التأكد من رواية هذا المصدر.
وقال إن قائد الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله التقى مسؤولين عراقيين بعد ترشيح العبادي عارضا المشورة بشأن التعامل مع التشدد السني ولكنه كانوا “أقل ترحيبا مما كان متوقعا” ونأى المسؤولون بأنفسهم عنه.
وأضاف المصدر أن “الأمير أوصل رسالته مع مسؤولين يعملون مع العبادي وكانت رسالته حازمة وواضحة بأن قضية الأعمال المسلحة على يد متشددين ينبغي التعامل معها بحزم”.
وتابع قوله أنه بينما يزيل رحيل المالكي عداوة شخصية مسمومة من طريق العلاقات السعودية العراقية فإن الرياض تقبل أيضا بواقع القيود السياسية والطائفية في بغداد.
وقال “يوجد تفهم لحقيقة أنه في الوقت الراهن.. ينبغي أن يكون رئيس وزراء العراق شيعيا”.
ويأمل بعض العراقيين أن تقود التغييرات في بغداد إلى توافق أكبر بين طهران والرياض مما يساعد على تهدئة التوترات في بلادهم وفي أنحاء الشرق الأوسط.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري “أعتقد أنه ستكون هناك تطورات إيجابية بين إيران والسعودية بسبب التقدم الذي أحرزته الدولة الإسلامية.. سيلعب الطرفان دورا الآن في العراق بسبب الدولة الإسلامية”.
ولكن منذ اجتماع مسؤولين سعوديين وإيرانيين في المحادثات الثنائية الأولى للبلدين منذ تولي الرئيس حسن روحاني السلطة العام الماضي ظلت تغطية وسائل الإعلام الرسمية في البلدين لهذا التواصل ضعيفة إلى أدنى درجة.
ويقول محللون إن تلك كانت إشارة على مدى الشكوك المتبادلة القائمة ومدى صعوبة أن يعمل الجانبان سويا في التعامل مع الدولة الإسلامية.
(رويترز)