كتبت مريم عبد الله في صحيفة الأخبار اللبنانية:
لا أحد يعرف بالتحديد ما يدور في أروقة المحاكمات الصورية داخل جدران مملكة آل سعود. ما يتسرب للنشر في ظل سياسة التعتيم التي تنتهجها الدولة القمعية بات يشغل المنظمات الأهلية القليلة وتلك الدولية، العاجزة عن تغطية الانتهاكات لحقوق المحتجزين وإمكانية حصولهم على محاكمة عادلة. يسبق المحاكمات قصص الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، في ظل تزايد حالات الإفصاح عن مكان وجود المعتقلين لفترات طويلة في السجون السرية لوزارة الداخلية، التي ساعدها في ذلك الصياغة الغامضة لقانون «الإرهاب» الجديد الذي يوفر للنظام غطاءً قانونياً لمزيد من انتهاكات قوانين حقوق الإنسان.
تنحصر غالبية الاعتقالات في مناطق توصف بالمضطربة في بلدات وقرى القطيف والعوامية وسط المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، التي تشهد احتجاجات متقطعة، منذ مارس/آذار 2011، في حراك أدى إلى تطويق المنطقة عسكرياً، إضافة إلى تنفيذ مئات عمليات الدهم والاعتقالات التي أدت إلى وقوع قتلى من قوائم المطلوبين للسلطات.
أدلة الإدانة ترافقها حالات تعذيب وانتزاع اعترافات بالإكراه. محاكمات سرية وصورية بتهم فضفاضة وقسوة مفرطة في إصدار أحكام ضد متهمين في قضايا أمنية وسياسية. كل ذلك في ظل غياب قانون مدون أو تنظيمات قضائية معروفة، وتنحصر حرية المتهم لمزاج القاضي الخاص، وهو الذي يطبق نظاماً قضائياً يتبع للملك مباشرة.
تكشف قضية الناشط فاضل المناسف، الذي حكم عليه في أبريل/نيسان 2014 بالسجن لمدة 15 عاماً والمنع من السفر إلى الخارج مدة مماثلة وبغرامة كبيرة، بعض نماذج سير المحاكمات. سبب ملاحقته كان المشاركة في تظاهرات ونشر صور التجمعات على الإنترنت، والتواصل مع جهات إعلامية خارجية تسعى إلى تضخيم الأخبار والإساءة إلى حكومة المملكة وقيادة صحافيين أجانب إلى التظاهرات، بحسب البيان الاتهامي.
كذلك، يظهر ما نصبو إليه في حالة المحامي السعودي وليد أبو الخير، الذي اختفى في ١٥ من شهر نيسان/أبريل الماضي من قاعة المحكمة، ونُقل إلى مكان لم يكشف عنه، ومُنع من الاتصال بعائلته. بقي أبو الخير محتجزاً حتى إدانته في شهر تموز/يوليو الماضي بتهمة «ازدراء القضاء» المعروف بصرامته مع المعارضين السياسيين.
سبق تلك المحاكمتين إدانة السلطات السعودية مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية «حسم» بداية عام 2013 ـ بينهم عبد الله الحامد ومحمد القحطاني ـ بتهم فضفاضة. سبعة من أبرز ناشطي حقوق الإنسان حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة بتهمة تشويه سمعة المملكة ونقض البيعة مع الحاكم وإنشاء منظمة سياسية دون ترخيص.
تقول المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش» سارة ليا وتسن: «تتباهى السعودية بما حققته من تقدم في إصلاح نظام العدالة لديها، إلا أن هذه الإدانات تبرهن على الشوط الطويل الذي ما زال على المملكة أن تقطعه لضمان محاكمات عادلة وحقوق المحتجزين، وخاصة من ينظر إليهم باعتبارهم من منتقدي الحكومة. إن عدم اكتراث المحاكم بما إذا كانت الاعترافات التي استخدمتها في الإدانة منتزعة تحت التعذيب هو أمر يبعث على الذهول».
قد لا يعرف الجميع أن أخطر الجرائم في السعودية التي تواجه غالبية معتقلي الرأي في السعودية تكمن تهمتها الأكبر في “الخروج على وليّ الأمر”، تهمة لا ترتبط بأي أفعال محددة قام بها الناشطون. يظهر ذلك في تصريحات وزير العدل محمد العيسى الذي يرفض الاعتراف بوجود معتقلي رأي في سجون النظام السعودي.
محاكمة الشيخ نمر النمر، التي استمرت عامين وتنتهي فصولها اليوم مبدئياً، ليست حالة شاذة في سير التمثيلية القضائية. يواجهه حكم الإعدام من «المحكمة الجزائية المتخصصة»، يرافقه حد “الحرابة”، الذي ما زال يتشدد في تطبيقه حكمان قمعيان هما “طالبان” والنظام السعودي.
تسقط المملكة في جولات التدقيق في نظام العدالة الجنائي المتسم بالتعسف، ورفضها حتى الآن إلغاء نظام ولاية الأمر على المرأة، وحتى مماطلتها في التخلص من الجوانب التمييزية في نظام الكفالة للعمال الأجانب الذي يعرضهم لانتهاكات عنصرية تصل إلى التشغيل الجبري.
لا توجد قواعد أو قوانين يمكن أن تردع النظام السعودي عن ممارسة قمعه، وإنهاء جولة الإعدامات المستمرة طوال السنة تحت أنظار العالم ووسط تنديد دولي قاربته منظمة “هيومن رايتس ووتش” بقطع “داعش” رؤوس أسراها. كل ذلك يأتي ضد شعب يحاول الخروج من قمقم الديكتاتور لصنع ثورة تغير وجه المنطقة.