واشنطن / العرابي الجديد (منير الماوري) – اكتسبت الموافقة السريعة التي حازها مشروع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لتدريب مقاتلي المعارضة السورية من مجلسي النواب والشيوخ، دلالات كبيرة وعديدة، فالخطة التي وافق عليها الكونجرس بمجلسَيه تركزت على تدريب المعارضة السورية فقط، ولم تكن الموافقة على الاستراتيجية الشاملة التي أعلنها البيت الأبيض لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسورية.
ومن الملاحظ أن أوباما نفسه هو من اختار هذه الجزئية وليس الكونجرس، وأهم ما تضمنته الخطة بالنسبة للرئيس هو الجانب المالي، أي توفير نصف مليار دولار أميركي لتنفيذ الخطة من ميزانية السنة المالية التي تبدأ في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري.
وجاء إقرار الخطة سريعاً؛ لأنه لو لم تقر في سبتمبر/أيلول الجاري، لكان من الصعب إدراجها في ميزانية السنة المالية المقبلة، ولأصبح إقرارها لاحقاً بلا قيمة؛ لأن التنفيذ سوف يتطلب الانتظار للسنة المالية المقبلة.
وقد اتخذ مشروع الخطة مسار أي مشروع قانون، حيث يبدأ نقاشه في مجلس النواب، وعند إقراره يحال إلى مجلس الشيوخ للموافقة عليه، وبعد ذلك يوقع الرئيس على المشروع ليصبح قانوناً ملزماً للجميع. وحظيت الخطة بموافقة أغلبية كبيرة في مجلس الشيوخ؛ إذ صوت لصالحها 78 عضواً مقابل 22 ضدها، ونادراً ما يحصل أي قانون على مثل هذه النسبة العالية في مجلس يتسم بانقسام حزبي حاد.
وبلغ عدد المعارضين للخطة 10 ديمقراطيين و12 من الجمهوريين، وقد اعتبر معظم المعارضين الجمهوريين الخطة غير كافية، ولم يكن اعتراضهم عليها تعبيراً عن اعتراضهم على التدخل في سورية من حيث المبدأ.
أما القلة القليلة المعترضة على التدخل الأميركي، فقد كان أساس اعتراضهم هو القلق من تورط أوسع في العراق أو في سورية، ومن وقوع السلاح الأميركي الذي سيقدم للمعارضة السورية بأيدي مقاتلي “داعش” ليستعملوه ضد الأميركيين. وكان مجلس النواب قبل موافقة مجلس الشيوخ بيوم واحد قد وافق على مشروع قانون الإنفاق الذي ألحقت به الخطة بأغلبية 273 صوتاً ضد 156 صوتاً، مع انقسام المؤيدين والمعارضين بالتساوي تقريباً بين المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين.
وقد أدخل الكونجرس على الخطة بنوداً جوهرية إضافية، من أهمها إخضاع التنفيذ لرقابة الكونجرس، وإجبار الإدارة على تقديم تقرير عن مدى التقدم كل 90 يوماً.
وعلى ضوء الحقائق السابقة، يمكن قراءة الدلالات التي من بينها بلاشك الإقرار بمهارة أوباما في المناورة السياسية على الصعيد الداخلي، وعمق إدراكه لاتجاه سير الرياح الداخلية، فقد جرت العادة في واشنطن أن يكون البيت الأبيض في كل المراحل هو من يتولى مناشدة الكونجرس لإقرار مشاريعه.
كما أن معظم الخطط السياسية لا تحتاج أن تتحول إلى قوانين ملزمة، ولكن براعة أوباما السياسية اتضحت عندما وضع الكونجرس في ركن محاط بجدار الوقت في سبتمبر/أيلول آخر شهور السنة المالية. وبدلاً من أن تأتي المماطلة في الإقرار من الكونجرس كان أوباما قد سبقهم في ذلك وماطل في تقديم خطته حتى اللحظة الأخيرة؛ استغلالاً منه لحماسة النواب ومطالباتهم له السابقة بالتحرك على صعيد الجبهة السورية بالتحديد.
وعندما قدم أوباما مشروع الخطة، اختار منها ما يلائمه، وهي الجزئية التي يحتاج فيها للمال، مع علمه أن السعودية ستتولى هذا الجانب فيما يتعلق بتكاليف التدريب واستضافة مراكز التدريب، الأمر الذي سيتيح لأوباما المجال لتحويل بعض الأرصدة المالية من بند إلى آخر في إطار الخطة ذاتها لما تتطلبه المتغيرات من مرونة في هذا الجانب ويسمح به القانون.
ولم يقدم أوباما خطته كاستراتيجية متكاملة لمواجهة “داعش”، رغم أن الخطة موجودة ومعلنة؛ لأنه على ما يبدو لا يريد إلزام نفسه بها؛ لعلمه أن إقرارها سيحولها إلى قانون ملزم له قبل غيره، ولأنه أيضاً لم يرغب في المغامرة بفتح جدل حولها بين أعضاء الكونجرس، لما قد يترتب على ذلك من تأخير إلى ما بعد الثلاثين من سبتمبر/أيلول الجاري، فيفقد التمويل المالي وتصبح الخطة بعد ذلك بلا جدوى حتى لو وافق عليها الكونجرس.
كما أن أوباما لم يوعز لأحد من أنصاره الديمقراطيين في الكونجرس لمعارضة التعديلات والقيود التي أدخلها الأعضاء، لأنها قيود لفظية تشعرهم بالانتصار بعد أن يكونوا قد وفروا له ما يريد من الأرصدة المالية التي هي جوهر الموضوع.
ولهذا، جاء تعليق أوباما على مشروع القانون المصادق عليه من المجلسين بعد التعديلات إيجابياً، معتبراً القانون دليلاً على وحدة الأميركيين في المعركة ضد تنظيم “داعش”، رغم إدراكه أكثر من غيره لعمق الانقسام.
ومن هنا فإن المشروع الذي أصبح قانوناً ملزماً ليس سوى بداية لمناقشة الاستراتيجية طويلة المدى التي رسمها أوباما لمحاربة “داعش” في العراق وسورية، ولا يبدو أن أعضاء الكونجرس من الحزبين مقتنعون بها، إذ إن معارضيها قد تتساوى نسبتهم مع نسبة من وافقوا على الجزئية الخاصة بالمعارضة السورية، غير أن المعارضة للاستراتيجية المتكاملة تنقسم بين معارضين للتدخل من حيث المبدأ ومعارضين آخرين له باعتباره غير كافٍ، ويتطلب جيشاً برياً كاسحاً لدخول سورية.