لندن / غرانت سميث ومارك شينك – يرجح أن تتجه السعودية إلى خفض إنتاج النفط للمحافظة على الأسعار فوق مستوى 100 دولار للبرميل، حتى بعد أكبر خفض تشهده المملكة خلال عامين، وفقا لبنك «بي إن بي باريبا» فرع السعودية، وبنك «سوسيتيه جنرال» فرع السعودية.
وأخبرت منظمة أوبك أكبر مصدر للنفط في العالم، الأسبوع الماضي، بأنها قد ضخت 408 آلاف برميل في اليوم خلال الشهر الماضي، وهو ما يقرب مما تنتجه أستراليا. وارتفع إنتاج النفط في إيران، والعراق، ونيجيريا، مما عزز كم العرض، وهو ما دفع بدوره العقود الآجلة للنفط الخام القياسي إلى أدنى من 100 دولار للبرميل خلال هذا الشهر لأول مرة منذ يونيو (حزيران) عام 2013. وربما تضطر السعودية إلى خفض الإنتاج بكمية مماثلة مرة أخرى بهدف استقرار الأسعار، حسبما أفادت البنوك.
ومن المتوقع أن يسجل الطلب العالمي على النفط هذا العام أضعف نمو له منذ عام 2011، تماما مثل ارتفاع النفط الصخر الأميركي الذي يعني تسجيل ارتفاع في إنتاج النفط لدى الدول التي ليست أعضاء في منظمة الأوبك لأعلى مستوياته منذ الثمانينات، طبقا لوكالة الطاقة الدولية. ودفعت تلك الوفرة في الإنتاج معظم أعضاء منظمة الأوبك في الشرق الأوسط، بما فيهم المملكة العربية السعودية، إلى خفض الأسعار للعملاء.
وقال مايكل ويتنر، رئيس أبحاث سوق النفط لدى بنك «سوسيتيه جنرال» في نيويورك، عبر الهاتف في التاسع من سبتمبر (أيلول) الحالي «إننا نسبح في النفط الخام، وإنهم يعرفون ذلك أفضل من أي شخص آخر لأنهم أكبر المصدرين. ويظهر لنا التاريخ أن السعوديين سوف يفعلون ما يلزم فحسب».
* الناتج الصناعي
* تداول خام برنت قرابة 99 دولارا للبرميل الأسبوع الحالي، ضمن نطاق يتراوح بين 95 دولارا و110 دولارات، وصف بأنه نطاق عادل من قبل وزير النفط السعودي علي النعيمي، في اجتماع لمنظمة الدول المصدرة للبترول في شهر يونيو الماضي. وقد تراجعت العقود الآجلة إلى مستوى 96.21 دولار في 15 سبتمبر الحالي، وهو أدنى سعر يسجله خلال يوم في العامين الماضيين، حيث توسع الإنتاج الصناعي الصيني في أضعف وتيرة يشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. سوف تشكل الصين نسبة 11 في المائة من الطلب العالمي على النفط هذا العام، مقارنة بنسبة 21 في المائة للولايات المتحدة، طبقا لوكالة الطاقة الدولية.
وحققت السعودية أكبر مساهماتها في خفض إنتاج منظمة أوبك في عام 2008 وعام 2009، في الوقت الذي انكمش فيه الطلب في ظل الأزمة المالية العالمية. وسحبت المنظمة نحو خمسة ملايين برميل من الإنتاج اليومي خارج السوق، مما أنعش الأسعار من نحو 30 دولارا للبرميل في نهاية عام 2008 إلى نحو 80 دولارا للبرميل في العام التالي.
يقول هاري تشيلينغوريان، رئيس استراتيجية أسواق السلع لدى بنك «BNP» في لندن، في رسالة وصلت بالبريد الإلكتروني بتاريخ 11 سبتمبر «سوف تعمل المملكة على استقرار ومن ثم دعم أسعار النفط، ليس فقط بسبب أن ذلك يصب في مصلحتها، ولكنه يصب كذلك في مصلحة أعضاء منظمة الأوبك من منطقة الشرق الأوسط».
من ناحيته، رفض مسؤول إعلامي بوزارة النفط السعودية التعليق على سياسات الدولة حينما جرى اتصال هاتفي معه، طالبا عدم الكشف عن هويته لحديثه عن سياسات الحكومة.
* موازنة الحكومة
* سوف يستقر سعر خام برنت عند متوسط 107 دولارات للبرميل في الربع الأخير وعند مستوى 105.8 دولار للبرميل في عام 2015، طبقا لمتوسط تقديرات أكثر من 31 محللا تم تجميعها بواسطة وكالة «بلومبيرغ». وقد يبلغ متوسط سعر خام برنت 90 دولارا في الربع الأخير إذا اختارت السعودية عدم المحافظة على خفض الإنتاج، طبقا لمايكل ويتنر من «سوسيتيه جنرال».
تمثل الصادرات النفطية نحو 90 في المائة من الميزانية الحكومية السعودية. وقد أعلن الملك عبد الله عن استثمار بقيمة 130 مليار دولار في عام 2011 لخلق الوظائف وخطة بقيمة 500 مليار دولار لبناء المدن في الصحراء بدأت العام الماضي. وقد ترغب السعودية كذلك في زيادة أسعار النفط لمساعدة العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في مجموعة أوبك، حيث يكافح انتشار تنظيم داعش في شمال البلاد، طبقا للسيد هاري تشيلينغوريان.
ومن المتوقع أن تخفض السعودية الإنتاج بأكثر من 500 ألف برميل في اليوم في الربع الأخير مع الذروة الصيفية في الطلب المحلي لتراخيص توليد الطاقة، وفقا لجوليان لي، وهي خبيرة استراتيجية لدى وكالة «بلومبيرغ» للأنباء في لندن، فقد استهلكت المملكة 827 ألف برميل في اليوم لتوليد الطاقة في شهر يونيو الماضي، وهو أكبر معدل مسجل خلال أربع سنوات، طبقا لمبادرة البيانات المشتركة ومقرها الرياض.
* أسعار النفط
* صرح المسؤولون في منظمة أوبك، ومن بينهم النعيمي وزير النفط السعودي، بأنهم لا يرون حاجة ملحة للاستجابة إلى الهبوط في أسعار النفط، والتي لا تزال أكثر من ضعف مستواها منذ عقد من الزمان.
وقد صرح النعيمي للصحافيين في الكويت بتاريخ 11 سبتمبر الحالي بأن «الأسعار دائما ما تتقلب وهذا أمر طبيعي». ويعتبر الهبوط الحالي من قبيل التقلبات الموسمية، وسوف تتعافى الأسعار بحلول نهاية العام الحالي، وحسبما صرح الأمين العام السيد عبد الله البدري في فيينا بالأمس، فقد ينخفض إنتاج المنظمة إلى 29.5 مليون برميل في اليوم خلال العام التالي من واقع 30 مليون برميل في اليوم حاليا.
ربما تكون هناك محفزات للسعودية لكي تسمح باستمرار تراجع أسعار النفط، طبقا لمؤسسة «بنك أوف أميركا» وبنك «DNB ASA»، أكبر بنوك النرويج. والسماح لخام برنت بالهبوط تحت مستوى 85 دولارا للبرميل من شأنه إبطاء ازدهار الصخر الزيتي الأميركي نظرا لأن بعض المنتجين قد يخسرون أموالا إذا ما استمر الضخ وفق السعر المذكور، حسبما صرح السيد فرانشيسكو بلانش، رئيس أبحاث السلع لدى «بنك أوف أميركا»، بتاريخ التاسع من سبتمبر الحالي.
وقال آدم سيمنسكي، مسؤول إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بتاريخ التاسع من سبتمبر، إن إنتاج الخام الأميركي سوف يرتفع بمقدار مليون برميل في اليوم وصولا إلى 9.53 مليون برميل في اليوم خلال العام المقبل، وهو أعلى إنتاج يسجل منذ السبعينات.
* القدرات المالية العالية
* يقول بلانش، لدى «بنك أوف أميركا»، إن الحد من طفرة الصخر الزيتي الأميركي من شأنه ضمان استمرار اعتماد الولايات المتحدة على الطاقة الشرق أوسطية. وانخفضت صادرات النفط الخام السعودي إلى أكبر مستهلك عالمي بمقدار مليون برميل يوميا في شهر يونيو الماضي، مقارنة بمتوسط 1.4 مليون برميل خلال الشهور الخمسة الأولى، طبقا لوكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة استشارية مقرها باريس تقدم خدماتها إلى 29 دولة صناعية.
يقول توربغورن كجوس، وهو محلل لدى بنك «DNB» في أوسلو، عن طريق الهاتف «بالنسبة للسعوديين، لا أتفهم لماذا يتدخلون ويديرون الأسعار ما لم تهبط تحت مستوى 90 دولارا للبرميل. إن السعوديين يستفيدون من ذلك لاختبار الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه الصخر الزيتي الأميركي».
وطبقا لمؤسسة جوانب الطاقة المحدودة الاستشارية في لندن، فإن الزعيمة الفعلية لمنظمة أوبك تمتلك القدرات المالية العالية لتتحمل انخفاض الأسعار وحتى مستوى 70 دولارا للبرميل ولمدة عامين من دون مواجهة أي صعوبات اقتصادية. حيث تحتفظ المملكة بأصول احتياطية قدرت بـ741 مليار دولار في شهر يوليو (تموز) الماضي، أي تقريبا ضعف المستوى المسجل منذ خمس سنوات ماضية، طبقا لمؤسسة النقد العربي السعودي.
* الخصومات المنعكسة
* ينبغي على السعودية عدم التركيز على مستويات الأسعار فحسب، وفقا إلى سيث كلاينمان، رئيس أبحاث الطاقة الأوروبية لدى مجموعة «سيتي غروب» في لندن. وأضاف «يعد خفض الإنتاج ضروريا لعكس الخصم على التسليمات الفورية مقابل التسليمات اللاحقة للنفط الخام، وهو هيكل في السوق يعرف باسم التأجيل ومن شأنه تشجيع التجار على تخزين النفط الخام. يمكن إعادة النفط الخام المخزن إلى السوق خارج سيطرة المملكة، ويحتمل أن يحبط ذلك جهود استقرار الأسعار»، على حد زعمه.
واستطرد كلاينمان قائلا عبر الهاتف «يوجد فائض كبير وواضح في السوق. ليست علامة المائة دولار هي ما يتطلع إليه الجميع، لكن الحقيقة أنك قد وصلت إلى مستوى التأجيل الحاد».