لا جديد بالنسبة لي وغيري من المراقبين لتطورات سوق العمل المحلية، تجاه إعلان وزارة العمل عن عزمها إيقاع العقوبات الصارمة على كل من يتورط في التوطين الوهمي، فهذا أمر سبق التحذير منه منذ بدأت وزارة العمل تطبيق البرامج التي لا حصر لها بهدف زيادة التوطين في السوق، وهو أيضا ما سبق أن حذرت منه حرفيا “استراتيجية التوظيف السعودية”، بأن أول نتائج عدم الالتزام بها هو تفاقم خطر التوطين الوهمي!
وقد يكون الباب الأكثر خطرا الذي نفذ منه التوطين الوهمي، هو مجالات توظيف المرأة السعودية، حيث تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة للوزارة إلى أن الزيادة القياسية وغير المسبوقة لتوظيف المرأة، التي طالما احتفلت بها وزارة العمل في كل شاردة وواردة من تصريحات مسؤوليها، التي ارتفعت خلال الفترة 2010-2013 بأكثر من 7.2 أضعاف، قفزت من 55.6 ألف امرأة عاملة سعودية بنهاية 2010 إلى أكثر من 398.5 ألف امرأة عاملة سعودية بنهاية 2013، أي بزيادة بلغت أكثر من 342.9 ألف عاملة! وبفحص النشاطات والوظائف التي تركزت فيها أغلب تلك الارتفاعات كنشاطات التشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة، التي من المعلوم أن الوظائف الملائمة لعمل المرأة فيها بغض النظر عن الجنسية، غير متوافرة من الأصل! تكتشف عبر تحليل الأرقام الرسمية الصادرة عن الوزارة أن أكثر من 232.6 ألف وظيفة جديدة للمرأة السعودية بين الزيادة المشار إليها أعلاه، أنها لا تتجاوز كونها وظائف وهمية أو توطينا وهميا بالدرجة الأولى! وهو ما يشكل نحو 68 في المائة من إجمالي الزيادة التي تصرح بها وزارة العمل في كل حين.
اللافت أن وتيرة التوطين الوهمي لم تتسارع خطاه إلا بالتزامن مع بدء العمل ببرامج التوطين، التي ابتكرتها وزارة العمل خارج محتوى ‘”استراتيجية التوظيف السعودية” مع مطلع عام 2011، حيث لم يكن يتجاوز نسبة 14 في المائة قبل 2010 من إجمالي الوظائف المشكوك في كونها وظائف وهمية للسعوديين، وكان أغلب التوظيف الوهمي يتم أغلبه مع الذكور! ارتفعت حصة التوظيف الوهمي للمرأة السعودية من تلك النسبة المتدنية، إلى أن وصلت إلى 61 في المائة بنهاية 2013، مقابل تراجع ذات النسبة للذكور من 86 في المائة بنهاية 2010 إلى 39 في المائة بنهاية 2013.
هل تتوقع وزارة العمل أنها بتلك العقوبات الصارمة ستحد من هذه الظاهرة، التي هي في الأصل نتيجة حتمية للعشوائية التي طغت على أغلب برامج السعودة التي ابتكرتها بكثافة طوال الفترة 2011-2013؟ وهل لا تزال تنظر إلى الزيادات الكبيرة جدا في مصفوفة إحصاءاتها الرسمية حول توظيف السعوديين في القطاع الخاص، التي وصلت خلال الفترة إلى نحو 742.2 ألف وظيفة، على أنها إنجاز غير مسبوق؟ وما موقفها وهي تكتشف اليوم بعد نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من التحذيرات أن ما يقارب 63 في المائة من تلك الارتفاعات لا يتجاوز كونه وظائف وهمية؟ أيضا ما موقفها وهي تكتشف أن معدل توطين وظائف القطاع الخاص الذي يشير ظاهر إحصاءاتها الرسمية ارتفاعه إلى 15.2 في المائة بنهاية 2013، وكيف أنه بعد خصم التوطين الوهمي منه، سيتراجع إلى 10.9 في المائة وهو ليس ببعيد عن المعدل المسجل في نهاية 2010 البالغ 10.4 في المائة؟!
الأخطر من كل ما تقدم، في حال تمت إضافة مجموع المتورطين في تلك الوظائف الوهمية إلى رصيد العاطلين عن العمل، ذلك أن أغلبهم في الأصل لم يغادروا منازلهم، ولم يشاركوا من الأصل في الإنتاج والعمل لدى المنشآت التي تورطت هي بدورها في هذه الآفة، كم من المتوقع أن يبلغ معدل البطالة بعد هذا السيناريو المخيف؟
وفقا لأعداد العاطلين عن العمل الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة في نهاية 2013 البالغ 622.5 ألف عاطل وعاطلة من السعوديين، ما يعني أن معدل البطالة بهذا الرصيد من العاطلين يبلغ 19.2 في المائة. في حال استبعدت العمالة الوطنية المتورطة في التوظيف الوهمي من أرصدة العاملين، وأضيفت إلى رصيد العاطلين، فإن أعداد العاطلين سترتفع وفق هذا التعديل من 622.5 ألف عاطل وعاطلة إلى نحو 1.1 مليون عاطل وعاطلة، وسيرتفع معدل البطالة بناء على ذلك إلى أعلى من 33.5 في المائة! وهو معدل للبطالة لم يسبق أن سجله الاقتصاد الوطني طوال نصف قرن مضى!
إنها نتائج متوقعة لكل ما تم من عمليات للتوطين قامت بها وزارة العمل، كانت قد وضعت نصب عينها تحقيق نتائج قياسية خلال فترة وجيزة، دون النظر من قريب أو بعيد إلى ضرورة معالجة التشوهات الكامنة في صلب سوق العمل وتحديدا لدى منشآت القطاع الخاص بالدرجة الثانية، كون منشأ تلك التشوهات بالدرجة الأولى نابعا من التشوهات العميقة الجذور التي يعاني منها الاقتصاد الوطني برمته! وقد ذهبت أصوات الناصحين لوزارة العمل سدى طوال الأعوام الأخيرة، وأن من الأهمية بالدرجة القصوى؛ أن تعكف وزارة العمل بالتنسيق والتعاون التام والمستمر مع بقية الأجهزة الحكومية في المجال المالي والتجاري والاقتصادي لدينا على حل تلك التشوهات، والعمل الجاد على الالتزام الحقيقي بتنفيذ بنود تنويع قاعدة الإنتاج المحلي، ولا أحد هنا يريد اختراع العجلة من جديد! فكل ما هو مأمول ومطلوب هنا هو تفعيل سطور خطط التنمية والاستراتيجيات، التي عفا عليها الدهر وهي خاملة دون العمل بها بين دفات تلك التقارير المنسية في أروقة تلك الأجهزة الرسمية!
هل سيكون القادم أقل خطرا مما حدث ويحدث في الوقت الراهن؟ الواقع يشير وفقا لما هو مشاهد على أرض الواقع، أننا باتجاه مواجهة أخطار أكبر، وما اكتشاف وزارة العمل لخطر التوظيف الوهمي أخيرا إلا قشة في حطام عملاق من الحطب، ولن تجدِ معها عقوبات أو خلافه! فما زال أساس الداء موجودا، تتغذى قواه من اتساع دائرة التشوهات الهيكلية التي يعانيها اقتصادنا الوطني، التي لم يلامسها حتى الساعة أية مشارط حقيقية للعلاج.
تكفي الإشارة هنا؛ إلى النتائج الوخيمة التي سيترتب عليها تراجع الإنفاق الحكومي على تنفيذ المشروعات بدءا من العام المقبل، واحتمالات تراجع أسعار النفط كما تشير توقعات المنظمات الدولية، التي ستؤدي بدورها إلى تراجع الواردات، سيظهر أثرهما مباشرة على تراجع التوظيف في أكثر النشاطات تورطا في الاستقدام والتوظيف الوهمي “التشييد والبناء، وتجارة الجملة والتجزئة”، حينها ستنكشف أجزاء أكبر من الحقائق المغيبة تحت الطاولة، فهل سنقف فقط عند إجراء وزارة العمل الأخير؟ أم سنأخذ الأمر على محمل الجد كأحد المؤشرات الحقيقية الموجبة لإصلاح وتطوير أكبر وأوسع وأعمق من مجرد تصريحات الوزارة الأخيرة؟! والله ولي التوفيق.
بقلم : عبد الحميد العمرى
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)