السعودية / نبأ – أثار الكاتب الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان – في مقالة له اليوم تداولها العديد من المواقع الصحفية – عدة تساؤلات حول الموقف السعودي من أحداث اليمن.
وقال عطوان: “صمت المملكة العربية السعودية الجارة الشمالية والنافذة لليمن عما يحدث من تطورات، وعدم تدخلها لإنقاذ الرئيس اليمني وحكومته هو السؤال الأكبر الذي يتردد على ألسنة اليمنيين هذه الأيام، فهناك من يقول إن هناك قرارا سعوديا باجتثاث حركة الإخوان المسلمين في اليمن، الممثلة في حزب الإصلاح بكل تفرعاته القبلية (آل الأحمر) والعقائدية، والعسكرية (اللواء علي محسن الأحمر)، وطالما أن التيار الحوثي هو الذي يقوم بهذه المهمة نيابة عنها فلا بأس”.
وقال: “وهناك من يؤكد أن هناك تنسيقا قويا بين الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأنصاره في المؤسستين الأمنية والعسكرية من جهة، وحركة “أنصار الله” الحوثية في الجهة الأخرى لتعطشه للانتقام من “آل الأحمر” الذين انتصروا للثورة ضده وعملوا على إطاحة نظامه، ووقفوا خلف محاولة الاغتيال الفاشلة التي كادت أن تقضي على حياته”.
وأضاف عطوان: “اليمنيون، والنخبة السياسية منهم على وجه الخصوص يطرحون الكثير من علامات الاستفهام حول موقف المملكة العربية السعودية، ويقولون صراحة: نحن على دراية بالاستراتيجية السعودية في محاربة حركة “الإخوان المسلمين”، باعتبارها “أس البلاء” في نظرهم، واجتثاثها في كل مكان تتواجد فيه بما في ذلك اليمن، ولكن لماذا دعمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضدها في مصر، ولم تدعم عبد ربه منصور هادي في اليمن وهو رجلها بالقدر نفسه ماليا وعسكريا؟
ويسألون أيضا: هل تقبل السعودية بهيمنة من قبل “أعدائها” الحوثيين المدعومين من إيران على اليمن خاصرتها الجنوبية الأضعف، ومصدر التهديد التاريخي لها، حسب أدبياتها السياسية؟”.
وأكد في مقالته أن الدولة اليمنية انهارت، والبلد على أبواب التفتت، وهناك 3 سيناريوهات متوقعة خلال الأشهر القادمة، من بينها عودة الملكية لليمن، وأضاف: “لقد نجحت قوات “أنصار الله” الحوثية في الاستيلاء على جميع مؤسسات الدولة في العاصمة اليمنية صنعاء، ابتداء من وزارة الدفاع ومرورا بالمستشفيات وانتهاء بالمصرف المركزي، ودون أي مقاومة تذكر، حتى أن وزير الداخلية ناشد أجهزته الأمنية بعدم المقاومة والتعاون مع “الفاتحين” الجدد”.
وأضاف أن محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء اليمني استقال واتهم الرئيس عبد ربه منصور هادي بالديكتاتورية، ووجه رسالة إلى الشعب اليمني أنه قدم استقالته لإتاحة الفرصة لإنجاح اتفاق بين الرئيس و”أنصار الله”، وأن المبادرة الخليجية التي كانت الرافعة الأساسية للانتقال السلمي للسلطة انهارت، وكذلك المؤسسة العسكرية أمام تقدم القوات الحوثية، وبات اليمن على حافة مرحلة جديدة قد تحمل عناوين عديدة أبرزها التقسيم، والتفتيت، والحرب الأهلية والقبلية، والطائفية، ولا ننسى الفوضى العارمة على غرار ما حدث ويحدث في ليبيا، وربما سورية أيضا.
وقال “عطوان”: “إن الوضع اليمني كان دائما وضعا شائكا يستعصي على الفهم، ولكن ما تعيشه البلاد حاليا من تطورات متسارعة على الارض فاجأ الجميع، واصابهم بحيرة كبيرة، ولا يستطيع اي احد، ان يقدم تفسيرا وافيا ومقنعا، باستثناء بعض التكهنات من هنا وهناك، فالجميع في حالة من الضياع”.
مضيفا: “السيد جمال بن عمر المبعوث الدولي أعلن أكثر من مرة أنه توصل إلى اتفاق ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية يمينة تتولى إدارة شؤون البلاد، وقبل بها الرئيس هادي وكذلك القيادة الحوثية يوم السبت، وتجدد هذا الإعلان مساء اليوم الأحد، ولكن ما جرى من سيطرة للتيار الحوثي، وانهيار للجيش وقوات الأمن أمام زحفها على المؤسسات العامة ومعظم صنعاء ربما يضع هذا الاتفاق أمام خيارين: الأول هو إلغاؤه من الأساس، أو إدخال المزيد من التعديلات على بنوده وبما يلبي كل شروط التيار المنتصر في صنعاء، وتظل فرص تطبيقه ناهيك عن فرص صموده موضع شك الكثيرين في اليمن ونخبته السياسية”.
وأشار “عطوان” إلى سيناريوهات كثيرة يقف على أعتابها هذا البلد بعد هذا الانقلاب الكبير في كل المعادلات السياسية والقبلية والعسكرية والإقليمية التي كانت تحكمه طوال السنوات الخمسين الماضية يمكن إيجازها في النقاط التالية:
*السيناريو الاول: ان يستولي الحوثيون على السلطة، ويعيدون النظام الملكي مثلما كان عليه الحال قبل الثورة عام 1962، فالهاشميون موجودون في اليمن، وزاد حضورهم في الفترة الاخيرة، وما زالوا يتطلعون للعودة إلى السلطة، والجيل الثالث منهم تعلم في الخارج واكثر تعليما وخبرة من الاجيال السابقة.
*السيناريو الثاني: ان يتحول السيد عبد الملك الحوثي زعيم “انصار الله” إلى “مرشد اعلى” لليمن على طريقة السيد علي خامنئي في ايران، ويمسك بزمام الامور في يديه، ويحكم البلاد من خلال حكومة تنفيذية قوية يتزعمها شخصية موالية له.
*السيناريو الثالث: أن يبقى الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي في السلطة “شكليا” ودون اي صلاحيات ولو لفترة مؤقتة، ويكون التيار الحوثي هو صاحب القرار الحقيقي في البلاد، ويحكم من خلف ستار.
*السيناريو الرابع: هو الفوضى المسلحة، وتفكك الدولة لان التيار الحوثي غير مهتم ببسط سلطته على الجنوب، ويحصر اهتمامه في المناطق الزيدية فقط في الشمال، فمن جنوب صنعاء وحتى مدينة تعز يعتبر اليمنيون الشوافع انفسهم في حل من الدولة ومن يريد اساسا محاولة السيطرة على مناطق جنوبية مقسومة بين الحراك الجنوبي الذي يريد الانفصال، ومناطق الجنوب الشرقي التي يسيطر على معظمها تنظيم “القاعدة” أو بالأحرى يتواجد فيها بشكل مكثف.
وقال: “من الصعب علينا تفضيل “سيناريو” معين على الآخر فالصورة ضبابية إلى جانب كونها مأساوية في اليمن، والشعب اليمني الفقير المنهك المسحوق يعيش حالة غير مسبوقة من خيبة الامل، ويشعر بالخذلان من الدولة والجيران والمجتمع الدولي في الوقت نفسه، وخاصة انه يرى نفاق هذا المجتمع الدولي في ابشع صوره في العراق وسورية، فها هي امريكا تجيش الجيوش وترسل الطائرات لضرب قوات الدولة الاسلامية لأنها هجّرت المسيحيين واليزيديين واقتربت من اربيل عاصمة كردستان العراق، ولا تعير اليمن وشعبه اي اهتمام.
الدولة انهارت في اليمن، وكل عمليات “الترقيع” المقترحة من المبعوث الدولي أو غيره لن تمنع هذا الانهيار، وإن منعته فلفترة قصيرة، لنا في ليبيا خير مثال للأسف الشديد، ولذلك قد يكون السيناريو الاخير هو الاكثر ترجيحا، فلا احد يهتم باليمن للأسف، وكل الاهتمام ينصب حاليا على “الدولة الاسلامية” في الشمال العربي.
وأضاف: انهيار الدولة اليمنية ومؤسساتها سيشكل عامل عدم استقرار للجوار الخليجي، وللمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، فمجلس التعاون الخليجي ارتكب اكبر خطيئة في تاريخه عندما اهمل اليمن وجوّع شعبه، ووضع العراقيل امام انضمامه إلى ناديه الثري، ولم يضع مبكرا خططا حقيقية للتنمية والاستقرار من خلال مشاريع تحفز اقتصاده، وتخلق فرص العمل لشبابه العاطل حيث تصل نسبة البطالة في صفوفه إلى أكثر من خمسين في المئة، وطالما أنه لا يريد فتح اسواق العمل في الدول الخليجية له.
(احرار الحجاز)