مقالات مختارة – صحيفة الاخبار اللبنانية ، لقمان عبد الله الخميس 26 نيسان 2018
توهّم قاتِلو رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، الشهيد صالح الصماد، أنهم بجريمتهم يسقطون عزيمة الشعب اليمني الراسخة، وإرادته في التصدي والصمود، أو يضعفون من إيمانه بالصبر والتحمل، وقدرته على الثبات في مواجهة العدوان. ومثلما تراءى لحكام السعودية سابقاً أنهم بشنّهم الحرب على اليمن يمكنهم إخضاع «أنصار الله» في بضعة أسابيع، وإجبارها على رفع الراية البيضاء، ها هو السراب نفسه يتجدّد اليوم، معيداً إنتاج نفسه بأشكال متعددة وأوصاف مختلفة طبقاً لمتطلبات كل مرحلة. لكن المستهجن أن الأوهام باتت هي لا غيرها الكلمة الفصل في سياسات ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة، والذي تُعتبر بلاده ثاني دولة مستوردة للسلاح في العالم، وأن تلك الأوهام لا تزال تُخاض على أساسها الحروب. والأسوأ من ذلك أن صاحب المخيلة الخصبة هذه يؤمن بأنه بكلمة واحدة منه يسلك حلمه سبيله إلى التنفيذ، إلا أنه في كل مرة يُفاجَأ المنفِّذون بأنهم يسيرون وراء الوهم، وكلما اعتقدوا بقرب الوصول وجدوا أنفسهم في فخ خدعة السراب التي لا نهاية لها.
آخر أوهام محمد بن سلمان هو حلم «تفريق الحوثيين»، والذي كشف عنه في مقابلة مع «نيويورك تايمز» في ختام زيارته الأخيرة لواشنطن، حيث قال إن بلاده «تسعى حالياً لإنهاء الحرب في اليمن عبر عملية سياسية، من خلال محاولتها تفريق الحوثيين بالتزامن مع الضغط العسكري عليهم». وفي نهاية المقابلة، طالب ابن سلمان بمنحه فرصة لتنفيذ خطته، وهو ما حمل البعض على الاعتقاد بأن لدى الرجل خطة محكمة لإنهاك «أنصار الله» من الداخل، وتشتيت صفوفها، تمهيداً للإجهاز عليها. مع إعلان استشهاد الصماد، بدا أن الفرصة المناسبة قد لاحت لابن سلمان، إذ على الرغم من أن «التحالف» لم يكن على علم بمقتل الصماد، ولم يعلن عن عملية الاغتيال إلا بعد إعلان صنعاء نفسها، إلا أنه اتخذ الحدث مناسبة لبثّ الإشاعات، وتصعيد الحرب النفسية، وإطلاق إشارة البدء لتنفيذ خطة ابن سلمان. وقد تجلّى ذلك في أداء الآلة الإعلامية السعودية، والمنظومة الإلكترونية الضخمة التابعة لها، والذي يمكن تلخيصه بما يأتي:
* الحديث عن اختراق أمني لـ«أنصار الله»، والادعاء أن الحركة تخلّت عن الصماد، وجعلت ظهره مكشوفاً للعدو، والإلحاح في بعض الأحيان على إدراج عملية الاغتيال ضمن «الصراع البيني» داخل الحركة. وتم سوق تلك الادعاءات على مدار أيام، والإصرار عليها، على الرغم من معرفة أصحابها بأن حركة الشهيد الصماد علنية، وأن خطبه ونشاطاته تُبثّ مباشرة عبر القنوات الفضائية اليمنية، كما هي حال زيارته الأخيرة لجامعة الحديدة، والتقائه العلني مع الفعاليات والمسؤوليين المحليين في المحافظة، بالإضافة إلى جولاته المتكررة، التي تكاد تكون أسبوعية، لتفقّد جبهات القتال، ورعايته تخريج الدورات العسكرية.
* ادعاء قناة «الإخبارية» السعودية أن الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، طَلَب اللجوء السياسي إلى سلطنة عمان. وهو ما رد عليه عبد السلام في تغريدة على «تويتر» قال فيها إنه لا صحة لما ورد في قناة «الإخبارية» من «ادعاء سخيف يعبّر عن حالة الإفلاس والفشل». والجدير ذكره هنا أن عبد السلام موجود في مسقط منذ شهرين لمتابعة مسار المفاوضات السياسية مع الأمم المتحدة.
* اختلاق حساب على «تويتر» باسم القيادي في «أنصار الله»، نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ، حسين العزي، وإعلان استقالة الأخير عبر الحساب الوهمي. لكن العزي سرعان ما نشر صورة للحساب الذي ينتحل شخصيته، مؤكداً أن هذا «الحساب مزور، ولا يمت لي بأيّ صلة». وخاطب الرجل مَن وصفهم بـ«المفلسين» بالقول: «أيها الجبناء، ليس لدينا مناصب كي نستقيل منها، لدينا مواقع عمل ومتاريس جهاد في سبيل الله والوطن والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان». وختم بأن «أيّاً منا لن يتخلى عن مسؤوليته ما دام قادراً على العطاء والتضحية».
* حديث صحف خليجية عن «تصعيد مظاهر التحفز والانتشار المسلح لعناصر الميليشيا في شوارع وأحياء العاصمة صنعاء»، وادعاؤها أن ذلك يعود إلى «الخلافات الداخلية بين أجنحة الحوثي المتصارعة على السلطة في ما تبقّى من مناطق سيطرتها». غير أن الحقيقة أن صنعاء تعيش أوضاعاً طبيعية وهدوءاً كبيراً، لا تخرقه سوى غارات العدوان.
باستثناء الدعاية الإعلامية المفضوحة، والتي لا تجد لها أصداءً في اليمن، لا تمتلك قيادة تحالف العدوان أيّاً من الأوراق المؤثرة لتنفيذ خطة الفتنة الداخلية. ذلك أن المكونات السياسية والقبائل واعية لتلك المخططات المشبوهة، وهي ملتفة حول القيادة في صنعاء لتمتين وحدة الصف، وتعزيز الجبهة الداخلية، ورفد الجبهات العسكرية بمستلزمات الصمود والثبات. ولئن وُجدت بعض الأوراق المشتّتة هنا وهناك، إلا أنها كانت في السابق تُشكِّل مصدر إزعاج، أما اليوم، فهي خرجت إلى العلن، وأصبحت واحدة من مجموعة مكوّنات تأتمر بأمر السعودية والإمارات علانية، وما الرهان عليها إلا سبب في خسران المزيد من الوقت، واستنزاف الموارد والقدرات، وانتظار عبثي لحسم لن يكون مجدّداً إلا وهماً وسراباً.