السعودية / فينانشيال تايمز – من خلال تشجيع انخفاض أسعار النفط، تخوض المملكة العربية السعودية مقامرة محسوبة في علاقتها المتوترة بالفعل مع الولايات المتحدة، على أمل أن يكون الضرر المحتمل لصناعة الصخر الزيتي في أميركا ستقابله الجوائز الجيوسياسية والاقتصادية المعروضة على واشنطن.
وفي الوقت الذي تقاتل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في حرب جديدة معا في العراق وسوريا، اتخذت السعودية خطوة جريئة من أجل تأكيد دورها المحوري في سوق النفط والضغط بمهارة على تمويل بعض الشركات العاملة في مجال الصخر الزيتي في أمريكا.
لكن، في الوقت نفسه، فإن انخفاض أسعار النفط سيؤدي بحكم الواقع إلى خفض الضرائب بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، وإذا استمر فإنه سوف يضرب كلا من روسيا وإيران في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للضغط على كلا البلدين.
ديبورا غوردون، مدير برنامج الطاقة والمناخ في مؤسسة كارنيغي، ترى الضغط السعودي على أسعار النفط باعتباره خطوة محسوبة بعناية من شأنها ألا تنفر الحلفاء، ولكنها في نفس الوقت سوف تسبب مشاكل للمنافسين والخصوم مثل روسيا وإيران. وقالت إنه “يبدو أن السعوديين قد خلصوا إلى أن هذا يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة لهم”.
مع تباطؤ الطلب العالمي على النفط بشكل حاد، وكون إنتاج الولايات المتحدة منه في ارتفاع عارم، واجهت المملكة العربية السعودية الخيار التالي: وهو خفض الإنتاج لتحقيق الاستقرار في السوق، وتحمل العبء بنفسها. ولكن بدلا من ذلك، يبدو، حتى الآن، أنها قد قررت السماح بانخفاض السعر.
ومع تزايد الإنتاج النفطي الجديد في الولايات المتحدة وغيرها، والذي يهدد مستقبل أوبك، فقد ذكر السعوديون سوق النفط بدورهم المركزي في تحديد الأسعار.
لكن استمرار انخفاض الأسعار قد يدفع العجز في الميزانية السعودية، وهو ما يثير أسئلة جديدة حول الاستقرار السياسي، ولكن يعتقد كثير من المحللين أن احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة في المملكة ستسمح لها بالصمود لفترة أمام انخفاض الإيرادات.
ويأتي القرار السعودي في وقت من التوتر الشديد في علاقتها مع الولايات المتحدة؛ فعلى مدى العام الماضي، كانت الدولتان على خلاف بشأن محاولات إدارة أوباما إبرام اتفاق نووي مع إيران، التي يعتبرها السعوديون منافسا دائما. وفي الوقت نفسه، أصبحت المملكة العربية السعودية جزءا رئيسيا من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة المتشددين الإسلاميين في العراق وسوريا.
وعن طريق خفض أسعار النفط، تساعد السعودية على تنظيم بعض النتائج الجيوسياسية التي ستكون موضع ترحيب كبير في واشنطن. إن انخفاض السعر سيؤدي إلى خلق مشاكل أخرى بالنسبة للاقتصاد الروسي، الذي يعاني بالفعل تحت وطأة العقوبات الامريكية والأوروبية ردا على تدخلها في أوكرانيا.
كما سيتأثر الاقتصاد الإيراني بنسبة انخفاض أسعار النفط ،على الرغم من أنه من الصعب الحكم على تأثير ذلك على المحادثات النووية. ففي حين أن المملكة العربية السعودية ترغب في أن تفشل المفاوضات، فمن الممكن أن يؤدي انخفاض عائدات النفط إلى تشجيع طهران على تقديم تنازلات للولايات المتحدة، لأنها ستكون أكثر حرصا على نجاح المفاوضات من أجل التخفيف من العقوبات الدولية.
كما يعد تباطؤ النمو العالمي وانخفاض أسعار النفط أخبارا جيدة نظرا لإضعافه الاقتصادات في أوروبا والصين، الذين هم أيضا من بين أكبر عملاء المملكة العربية السعودية، وسوف يحقق فوائد مباشرة للمستهلكين في الولايات المتحدة؛ فعلى الرغم من الطفرة في مجال الصخر الزيتي، فإن الولايات المتحدة لا تزال واحدة من أكبر الدول المستوردة للنفط في العالم.
ويقدر إد مورس، من مؤسسة سيتي جروب، أن انخفاض سعر النفط الخام إلى 80 دولار سوف يعادل خفض الضرائب في المتوسط بنحو 600 دولار عن كل أسرة في الولايات المتحدة. وقال جيسون بوردوف، مسؤول الطاقة السابق في إدارة الرئيس أوباما، ومدير مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا حاليا: “بالنسبة للاقتصاد الأمريكي والمستهلكين في الولايات المتحدة، يعتبر انخفاض أسعار النفط شيئا عظيما؛ فهو سيخلق فائزين وخاسرين في أماكن مختلفة، وربما كان لذلك جانب سلبي، ولكن الجانب الإيجابي لذلك أكبر من الجانب السلبي”.
ونفى بوب ماكنالي، وهو مسؤول سابق في إدارة جورج دبليو بوش، والرئيس الحالي لمجموعة رابيدان، وجود تواطؤ بين السعودية وأمريكا في انخفاض أسعار النفط، خلافا لما حدث في الثمانينيات عندما ساعد انخفاض الأسعار في وضع الضغوط على الاقتصاد السوفياتي وسط شائعات عن وجود تعامل بين الرياض وإدارة ريغان.
وبرغم كل تلك الفوائد المحتملة بالنسبة للولايات المتحدة، يبدو أن انخفاض الأسعار مصمم أيضا لكي يضع الفرامل على طفرة النفط الصخري، والتي كانت التغيير الأكثر أهمية في مجال الطاقة العالمية لمدة عشر سنوات.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية، الوكالة الدولية للطاقة المدعومة من قبل الحكومات في الدول الغنية، مؤخرا إن إنتاج الولايات المتحدة من النفط السائل، بما في ذلك النفط وسوائل الغاز الطبيعي الخام مثل البروبان، قد فاق مستوياتها في المملكة العربية السعودية خلال فصل الصيف.
المقالة تعبر عن رأي الصحيفة / الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها