(نبأ / بي بي سي) – مع انطلاق الثورات الشعبية في الوطن العربي تحركت مجموعات شبابية في منطقة القطيف شرق المملكة السعودية ، رفعت خلال مسيراتها السلمية شعارات عدة ، تطالب الحكومة باطلاق الحريات وتطبيق العدالة والمساواة والقضاء على الفساد، لكن كان اطلاق سراح السجناء السياسيين الذين عرفوا بالمنسيين التسعة المسجونيين دون محاكمة منذ العام 1996 في مقدمة مطالبهم.
وتواصلت المسيرات الشعبية واتسعت رقعتها اكثر فاكثر مما اخاف السلطات السعودية من انتقال العدوة الى المناطق الاخرى التي تخشي خروجها عن بيت الطاعة لاهميتها الديمغرافية .
فاختارت السلطة القمع والتنكيل بالحراك في المنطقة الشرقية في محاولة يائسة لايقاف الحراك الشعبي الذي يتطلع الى الحرية والكرامة . وفي الوقت ذاته لكي تعطي درسا في الخوف للمناطق الاخرى الصامتة في هذه المملكة.
الا انها مع كل ما مارسته من قتل وسجن وقمع لم تستطع التأثير على استمرارية الحراك الشعبي طيلة العامين الماضيين ، بل اضيف مطلب القصاص ممن اطلق الرصاص على المسيرات وسفك الدم الى قائمة مطالبهم الاساسية.
استطاعت بي بي سي العربية الحصول على صور غير مسبوقة والوصول إلى زعماء المعارضة المناهضين للحكومة السعودية في المنطقة الشرقية بالمملكة، وذلك من خلال فيلم وثائقي بعنوان "الحراك السري في السعودية، ويبحث من خلاله أندرو هاموند، الصحفي البريطاني، تاريخ المعارضة والإصلاح داخل المملكة.
يميل حكام السعودية إلى تقديم البلاد على أنها مساحة لا تخضع لتطبيق قواعد السياسة المتعارف عليها.
كما يروجون صورة عن السعودية كأنها مدينة فاضلة إسلامية، تحاكي الشريعة كما طبقت في بدايات العصر الإسلامي، مع تولي آل سعود زمام الشؤون السياسية للبلاد إلى جانب ضمان العلماء تطبيق الشريعة في المجتمع.
ويغني هذا التصور في حد ذاته عن الحاجة إلى ضرورة وجود أحزاب سياسية وسلطة تشريعية منتخبة أو الحق في الاحتجاج لعدم اختلاف الرأي في مجتمع تنظمه قواعد إلهية.
ومن ثم عندما ظهرت المعارضة في المجتمع، سرعان ما تحرك النظام الحاكم وبمنتهى الحسم لقمعها.
ظل هذا الوضع هو المتبع بصفة خاصة منذ تولي الملك فيصل مقاليد السلطة عام 1964، وانتهاء عشر سنوات من التعبئة للقومية العربية واليسارية عندما وقعت الأسرة الحاكمة تحت وطأة ضغوط نقل السلطة لرعاياها.
ومن أبرز الأحداث تلك التي وقعت عام 1979 عندما سيطرت مجموعة من المتعصبين السلفيين على المسجد الحرام في مكة، واحتجاج الشيعة في المنطقة الشرقية عام 1980 اعتراضا على حكم السنة، ودعوة من صفوف العلماء تطالب بنظام برلماني عام 1991، وتمرد القاعدة (2004-2006) ومجموعة من المناشدات المطالبة بإجراء إصلاحات ديمقراطية مع بداية الألفية الثانية.
تهديد جديد
شهدت السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية موجة من المعارضة تبعها نمط من النشاط المعارض الالمتكرر داخل نظام سياسي يعاني القمع.
لكن النظام الحاكم بدا هذه المرة أكثر جدية في رؤيته للتهديدات مقارنة بردود فعله السابقة.
هزت الانتفاضات العربية التي بدأت في تونس في ديسمبر/كانون الأول 2010 أسرة آل سعود لأسباب عدة: فالولايات المتحدة باتت غير راغبة أو «عاجزة» عن إنقاذ حليف لها منذ زمن طويل مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، كما انتشرت الانتفاضات في منطقة مجلس التعاون الخليجي مع اندلاع احتجاجات في البحرين وعمان، في الوقت الذي قدمت حركات الاسلام السياسي نموذجا إسلاميا للتمثيل الديمقراطي والتغيير.
وحال آل سعود دون تحول هذه الظاهرة إلى حركة جماهيرية حاشدة قد تجبر على التخلي عن السلطة – وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الاجراءات: الانفاق الهائل على الدوائر الانتخابية الرئيسة في البلاد، والضغط على العلماء المدعومين من الدولة من أجل التنديد بالاحتجاجات والمعارضة ووصفها بأنها غير إسلامية تحت عناوين «الخروج على ولي الأمر» و«زعزعة الأمن وإثارة الفتنة».
من جهة أخرى استفاد آل سعود من الطبيعة المتفاوتة للمعارضة في السعودية.
فهناك عدد من الأصوات المختلفة التي تدعو إلى التغيير والإصلاح: طائفة في الشرق، والنساء في البريدة الواقعة شمال العاصمة الرياض اللائي نظمن احتجاجات ضد اعتقال أقاربهن وكبار علماء الدين دون إجراء محاكمات، فضلا عن سلسلة مطالبات تنادي بالإصلاح، وكذا النشطاء البارزون بما في ذلك أولئك الذين يستعينون في نشاطاتهم بموقع التواصل الاجتماعي تويتر.
ردود فعل انتقائية
وربما كان أبرز نجاح حققته الأسرة الحاكمة هو الحفاظ على هذه الدوائر المختلفة بعيدة عن بعضها، وعدم قدرتها على الاندماج في كيان حركة واحدة من أجل التغيير.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسلاميين المعتقلين يودعون في سجون منفصلة.
كما كان رد الفعل الرسمي حيال ظاهرة المعارضة باستخدام الإنترنت انتقائي للغاية، فعلى سبيل المثال منع رجل الدين البارز، الشيخ سلمان العودة، الذي يستخدم موقع التواصل الاجتماعي توتير، من السفر ومغادرة البلاد لكنه لم يسجن، في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات صارمة على ناشطين آخرين من الشباب أمثال الناشط رائف بدوي .
من جانبها سنت الحكومة السعودية هذا العام قانون «الإرهاب» الذي يسمح باعتبار أي شكل من أشكال المعارضة السياسية بمثابة نشاط محظور، ومنها التعبير عن التعاطف مع الإسلاميين المصريين الذين قتلوا في اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة عام 2003 والتعبير عن الآراء والمشاركة في التظاهرات.. إلى القتال في سوريا بين الجهاديين.
ومع اتساع نطاق المعارضة، يعمد النظام الحاكم في المملكةإلى القاء شباكه قدر الإمكان على أن يقمعها بوحشية كلما سنحت له الفرصة وتهيأت.
قائمة الثلاثة والعشرين
كعادتها الحكومة السعودية تقوم بوضع قوائم اسماء للمطلوبين الامنيين لديها، ترافقها حملات اعلامية مكثفة، في محاولة لعزلهم عن المجتمع ووصفهم بالمخربين والاعداء. لتبدأ مرحلة اخرى من المطاردات والمداهمات التي تعدها القوات الخاصة فرصة ذهبية لاستعراض عضلاتها، ببطولات وهمية على الضعفاء أمام باقي مكونات المجتمع التي تخشى أن يثور، ليكون ذلك عبرة لمن اراد ان يعتبر، والتي تنتهي اما باعتقالهم او قتلهم بدم بارد.
وبغض النظر عن الاسباب التي تقف وراء ذلك، فأن اعلان السلطات السعودية قائمة الثلاثة والعشرين هذه، على نسق القوائم السابقة لمطلوبي القاعدة، يهدف الى الربط الذهني بينهما أمام الرأي العام . بينما الفارق كبير جدا، حيث ان مطلوبي القاعدة تبنوا بشكل صريح وواضح عمليات عسكرية وانتحارية أدت الى مقتل الكثير من المدنيين ورجال الامن ، بينما مطلوبي قائمة الثلاثة والعشرين بعيدة كل البعد عن اعمال العنف، ولم تستطع الداخلية السعودية حتى الان، اثبات اي من التهم التي وجهتها اليهم، سوى المشاركة في حراك سلمي ينادي بحقوقه المنتهكة.
لذلك نجد وزارة الداخلية في بيانها بحق ال23 في القطيف، حاولت جاهدة الصاق تهمة حمل السلاح لهم، لتصنع لها مبررات تسمح باسخدام القوة والقتل بحقهم.
بالاظافة الى سعي السلطات السعودية لخلق تشابه بين هذه القائمة وقوائم القاعدة، حاولت أيضا من خلال ادراج بعض الاسماء الى خلط الاوراق أمام الرأي العام لتوحي بأن جميع المطلوبين هم اشرار وخطر على المجتمع.
وأخيراً، حكمت محكمة سعودية بالإعدام منذ يومين على أحد المتهمين بـ«الخروج عن طاعة ولي الأمر والقيام بأعمال شغب وحمل سلاح واستهداف دوريات أمنية» في منطقة العوامية شرق المملكة، و المحكوم عليه هو نجل رجل دين معتدل، وقد سبق أن صدر حكم مماثل بحق نجل ناشط آخر، وهكذا تستمر الممكلة في قمع الحرية بتهم باطلة وجائرة..