السعودية/ متابعات- في أيلول/سبتمبر من عام 2009 أعلن ناشطون سعوديون عن تأسيس «جمعية الحقوق السياسية والمدنية السعودية»، تحت المسمى المختصر «حسم».
أوضح النشطاء من خلال إعلانهم التأسيسي الأسباب التي دفعتهم لإنشاء الجمعية، وهي تعددت، ولكن أهم ما ورد فيها هو تعرض حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المملكة إلى انتهاكات شديدة، وبالأخص بعد حرب الخليج الثانية، وهي الفترة التي زاد بها وعي المواطنين لحقوقهم بحسب ما جاء في الإعلان. كما اعتبروا أن جمعيات حقوق الإنسان الغربية لا تدين الأسباب الحقيقية لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، كما تهتم بقضايا فردية وتتجاهل القضايا العامة.
الاتجاه الثالث
وبحسب الكاتب علي عايض القحطاني، يرى أعضاء «حسم» أن السعوديين اتخذوا ثلاثة اتجاهات في التعامل مع النظام، كما ورد على لسان احد مؤسسي الجمعية، وأبرزهم، الدكتور عبد الله الحامد.
فأصحاب الاتجاه الأول قرروا الانبطاح للنظام مستندين إلى المدرسة الدينية السعودية التي لا تتوانى عن تبرير تصرفات الحاكم مهما كانت.
والاتجاه الثاني قاده جهاديون مقتنعون بأن لا حل مع النظام إلا بتغييره بقوه السلاح. أما أعضاء الجمعية وأمثالهم فاتبعوا الاتجاه الثالث الذي أسموه النضال أو الجهاد السلمي واعتقدوا انه الحل الواقعي الذي سيحقق لهم اكبر النتائج بأقل الخسائر.
اتخذ النشطاء أساليب مختلفة للعمل الحقوقي بقدر ما تسمح لهم ظروف المملكة. ومن خلال تأليف الكتب والأبحاث، وإصدار البيانات، ومخاطبة السلطات، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وإصدار التقارير حولها، حاول أعضاء الجمعية وأنصارهم رفع مستوى الوعي بين المواطنين بأهمية استرداد الحقوق السياسية والمدنية وتبيان آثار فقدانها على المجتمع، بجانب النضال السلمي لاسترداد تلك الحقوق من السلطات.
أبدى الحقوقيون بسالة في نضالهم لم يسبق لها نظير في المجتمع السعودي، فبلغت بهم الجرأة أن رفضوا مبايعة وزير الداخلية الأمير نايف كولي عهد للملك لظلمه. كما وقفوا بجانب أسر المعتقلين تعسفياً في المطالبة بإجراء محاكمات عادلة لهم. وبعد ثلاث سنوات من النضال، وُجهت اتهامات للمنتسبين لـ"حسم" وتمت محاكمتهم قبل ان يزج بهم في السجون.
لم يكلف اعتقال الحقوقيين وإيداعهم السجون شيئا يذكر بالنسبة للنظام، وذلك يعود لإخفاق جمعية «حسم» في إعلاء كلفة اعتقالهم، أو بمعنى آخر فشلهم في حشد قدر كاف من المؤيدين يقومون بالضغط على النظام لتحقيق نتائج اكبر، أو على الأقل يمنعون إيقاف الجمعية واعتقال المنتسبين لها. ويعترف الدكتور محمد القحطاني، احد مؤسسي الجمعية، في مقابلة له مع الإعلامي صلاح الحيدر ان أعداد الناشطين في المجال الحقوقي قليلة جدا.
حرض الحقوقيون «حسم» الجمهور السعودي على المطالبة بالإصلاح السياسي عبر الانتقال الى ملكية دستورية تكون فيها سيادة الأمة هي الأعلى.
ينطلق هؤلاء في خطابهم ذاك من أن الاصلاح السياسي هو الأساس وهو الحل لجميع المشاكل الثانوية الأخرى. ولذلك، فإن الانشغال بإيجاد حلول للمشاكل الجزئية كالبطالة والفساد المالي والإداري وغيرها يشتت الجهود في الوصول إلى حل جذري. وذلك ما جعل خطاب الجمعية يبدو نخبويا وغير قادر على حشد أعداد كبيرة من المواطنين، بل وحتى إثارة اهتمامهم بسبب وجود فصل هائل في ثقافة السعوديين بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة والإصلاح السياسي والحقوق السياسية من جهة أخرى.
الحقوق لا تتجزأ
أكثر ما ينغص عيش السعوديين هو الاستيلاء على الاراضي من قبل أشخاص نافذين في السلطة، مما أدى إلى شح الأراضي السكنية وارتفاع أسعارها، وكذلك أزمة البطالة، وسوء الخدمات الصحية والبنى التحتية، وسرقة المال العام…
تلك المشاكل وأمثالها المرتبطة بالظروف المعيشية للسعوديين هي ما يستفزهم ويدفعهم للتحرك والتفاعل، وليس قضايا الإصلاح السياسي. فإذا أخذنا المحاضرات المعروضة في قناة «حسم» على موقع يوتيوب كنموذج لخطاب أعضاء الجمعية، لوجدناها بعيدة كل البعد عما يثير اهتمام السعوديين.
تم التركيز في المحاضرات على التأصيل الشرعي الديني لجواز التظاهر السلمي، والبحث في قضية خروج الحاكم على الأمة، ومناشدة للشباب السعودي لإلقاء السلاح وترك الجهاد المسلح خارج الحدود والعودة والانضمام إلى الجهاد السلمي في الداخل… وغيرها من المحاضرات الهادفة الى رفع الوعي بأهمية الحصول على الحقوق السياسية والمدنية وما يترتب على فقدانها. ولم يتم الربط المباشر بين ما يعاني منه السعوديون مباشرة والاصلاح السياسي الا في محاضرة واحدة فقط للدكتور محمد القحطاني تحت عنوان: "من هم معطلو التنمية الحقيقيون".
وفي المقابل، كان السعوديون يتفاعلون مع قضايا اخرى بشكل لافت. وعلى سبيل المثال، تفاعل المغردون السعوديون على موقع تويتر مع هاشتاغ (# الراتب-ما-يكفي-الحاجة) مما أدى إلى تخوف السلطات وجعلها تحذر المواطنين من التفاعل مع الهاشتاغ لأنه "واجهة للفتنة" كما وصفه أحد المسؤولين السعوديين.
وحدث اكثر من ذلك عندما اعتصم الكثير من المواطنين عند مكاتب العمل في شتى أنحاء المملكة بعد إصدار قوانين معينة من قبل وزارة العمل لم تحز على رضاهم. بل وصرح بعضهم امام الكاميرات انهم في اعتصام مفتوح حتى تحل مشاكلهم. في حين أن دعوات جمعية "حسم" للحضور الى المحاكمات والاعتصامات لم تلق إلا استجابة أعداد قليلة جدا لم يتجاوز بعضها العشرة أفراد في بعض الاحيان.
أراد أعضاء «حسم» أن يصلحوا المشاكل الناتجة من طبيعة النظام بإصلاح النظام نفسه، فخاطبوا الجمهور على هذا الأساس، عوض التركيز على ما اعتبروه ثانويا وإبرازه أكثر لجذب المناصرين وتشكيل قاعدة قوية يمكن التعويل عليها في مواجهة الاستبداد. وليس في هذا تقليل من شأن أعضاء الجمعية وهم في معتقلاتهم اليوم يعانون الأمرين، فهم من تقدم الى ما قعدت عنه الملايين في بلادهم. وهذا بذاته هائل، إنما هو نقاش في طرق التحقيق والفاعلية.