لا زال الكثير من في المملكة وخارجها خاصة عند الشارع الغربي لا يصدق ما يقال عن مستوى الفقر الكبير الذي يعصف بابناء مملكة البترول الأولى على المستوى العالمي لما يشاهدونه من ثراء فاحش يعبث به الأمراء من آل سعود في سفراتهم وجولاتهم السياحية والعاهرية في مشارق الارض ومغاربها واليخوت التي يمتلكونها والقصور الفخمة التي يشيدونها أوروبياً وعربياً، ولما يسمعونه من فضائحهم في الملاهي والمراقص وصالات القمار والبذخ الذي ينثرونه على الساقطات والساقطين دون حياء أو استحياء أو خجل أو ملل .
لكن البيان الملكي الذي صدر قبل ايام قليلة (12 صفر 1436 هـ – 4 ديسمبر 2014م) ومع بدء فصل البرد القارص الذي يجتاح النصف الشمالي من الكرة الأرضية ويضرب بلاد الحجاز فتح نافذة صغيرة على حقيقة الفقر الذي يجتاح أرض الذهب الأسود وشعبها المحروم، حسبما أعلن ذلك وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين ونشرته صحيفة "الرياض" في عددها (16964) ليوم الخميس الماضي بأن " الملك" أمر بصرف مساعدة عاجلة للأسر الضمانية في المناطق الشمالية من المملكة لمواجهة موجات البرد التي تتعرض لها هذه المناطق، موضحاً أن مقدار هذه المساعدة التي أمر بها تبلغ (358.399) مليون ريال" !!.
شعب يعيش في بلد تمتلك به الشركات الاميركية القرار الاقتصادي والسياسي وتنهب ثرواته بالجملة بمشاركة عائلة فاسدة حاكمة جاثمة على رقاب أبناء جلدتها منذ عقود طويلة بالظلم والقمع والتنكيل وسلب أبسط مقومات الحياة الاجتماعية ؛ حيث تشير التقارير الرسمية الدولية الى أن " شركة أرامكو السعودية للنفط تعتبر أكبر شركة للطاقة في العالم حتى الآن، بعائدات تصل إلى أكثر من مليار دولار يومياً. ويستطيع أكبر حقل نفط تملكه أرامكو، وهو الغوار، أن ينتج 5 ملايين برميل يومياً" حسب احصائيات وكالة الطاقة العالمية نشر في مقال بقلم " كريستوفر هيلمان" استناداً لاحصائيات مجموعة "وود ماكنزي – Wood Mackenzie" للطاقة العالمية .
وتؤكد تقارير السلطة السعودية أن متوسط انتاج المملكة من النفط في عام 2013 وصل إلى نحو 9.8 مليون برميل يوميا، حيث بلغت ايراداته نحو (300) مليار دولار ( ثلث إجمالي إيرادات نفط أوبك)، حيث حققت موازنة العام الماضي 2013 فائضاً بلغ نحو (55) مليار دولار وفق تقديرات معهد صناديق الثروة السيادية الأمريكي؛ ما يجعل نصيب كل سعودي في المتوسط من الدخل القومي يقترب من ثلاثين ألف دولار سنويًا، وبذلك سيكون هناك سند منيع لا يسمح بدخول الفقر الى العوائل السعودية مهما سعى الفقر ومهما كانت قوته وخططه .
وتؤكد الاحصائيات الرسمية للمملكة العربية التي اعلنتها فضائية "العربية" المملوكة للسلطة الحاكمة أمس الاحد قائلة: "يرجح أن تعلن السعودية تقديرات موازنة العام المقبل 2015، وما تحقق فعلياً في ميزانية 2014، يوم الثلاثاء الموافق 30 ديسمبر/كانون الاول الجاري، بحسب ما ورد في تحليل لصحيفة "الاقتصادية". مضيفة: "من المتوقع أن تحقق الميزانية السعودية لعام 2014، فائضا بنحو 65 مليار ريال، نتيجة لتحقيق إيرادات بنحو 1.12 تريليون ريال.." في ظل القفزات العالية التي يشهدها انتاج النفط السعودي الى نحو 500ر11 مليون برميل يومياً !!، ما يجعل اي مراقب يرفض حتى "مجرد احتمال" وجود الفقر في المجتمع السعودي، ولكن الواقع ليس كذلك على أرض الواقع والحقيقة المرة جداً.
ورغم مساعي آل سعود للتعتيم على تنامي وتزايد مستوى الفقر بين أبناء بلاد الحرمين الشريفين بما يملكونه من ثروات نفطية هائلة وأرباح لا تعد ولا تحصى من السياحة الدينية (الحج والعمرة)، إلا أن الأمر قد خرج عن سيطرة السلطة الحاكمة لتفشي الفساد بين أبنائها الذين يتجاوز عددهم الـ(25) ألف أمير يستأثرون بالأراضي الخصبة ويضعون قبضاتهم على الأراضي الواسعة التي تمتلكها المملكة وينعمون بنظام يمنحهم حقوقاً وأمولاً طائلة على حساب فقر الشعب وبطالته مع ان نسبتهم بين العب لا تعد شيئا.
فقد ذكرت تقديرات غير رسمية للحكومة السعودية سربها "برنامج حافز" ان نسبة الفقراء بالمملكة وصلت الى اكثر من 25% من مجموع المواطنين السعوديين البالغ عددهم نحو 20 مليون نسمة. وهو ما كشفت عن قسم منه في بيان الموازنة العامة للمملكة لعام 2014، حيث جاء ضمن المخصصات مبلغ 29 مليار ريال سعودي (7.7 مليار دولار)، لـ"برامج معالجة الفقر، والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، والضمان الاجتماعي" ، لماذا اذن كل هذه المخصصات اذا لم يكن هناك فقر يستشري بين طبقات المجتمع السعودي ؟!.
وتشير التقارير الخبرية الى " أن الفقر المدقع دفع بعض السعوديين للعيش في المقابر، فيما دفع بكثير آخرين مد يدّ العوز والحاجة والتسول في شوارع المملكة – حسب اعتراف "مكتب مكافحة التسول في السعودية" معلناً عن ضبط (3772) متسولا خلال حملة واحدة استمرت لـ(24) ساعة فقط وفي بعض مناطق في البلاد الغارقة بالنفط. فيما كشف المتحدث باسم وزارة الشؤون الاجتماعية في المملكة العربية السعودية محمد العاصمي عن "أن نسبة التسول بين المواطنين تجاوزت الـ 18%" – حسب ما ذكرته الصحافة مؤخراً .
اما التقارير الأجنبية فتشير الى الكارثة التي تعصف بالمملكة بصورة غير قابلة للتصور ما يجعل من الفقر هذه القضية الاجتماعية لتتحول الى قضية سياسية تربك العائلة الحاكمة وقبلها الداعمين الامريكيين والغربين لهم بالبقاء في مسند السلطة حفاظاً على مصالحهم القومية والأمنية والبترولية، فقد نشر معهد "بروكينغز" الأمريكي مؤخرا تقريرا أشار إلى "أن الفقر الذي يستشري في السعودية قد يسعر نار الاحتجاجات الشعبية على الحكم" وهو ما اشرنا اليه في مقال سابق أيضاً.
وحذر تقرير "بروكينغز" بقلم خبيره في الشؤون السياسية بمركز "سابان" لشؤون الشرق الأوسط "بروس ريدل"، من "نار تحت الرماد" قد تؤدي الى ثورة قائلا: "إن 60 % من السعوديين هم في سن العشرين أو أقل وغالبيتهم لا يأملون بالحصول على أي عمل، كما أن 70% من السعوديين عاجزين عن الحصول على سكن لهم و40% منهم يعيشون تحت خط الفقر". مشيراً الى "أن المشكلة التي تتفاقم أكثر فأكثر في السعودية هي أن عدد النساء المتعلمات يزداد كل يوم ليلتحقن بركب سابقاتهن العاطلات عن العمل. وما يكشف عن مدى جسامة المشكلة هو النساء يشكلن نسبة 60 % من المتعلمين في المملكة ولا يحصل سوى 12 % منهن على وظيفة".
وفقا لتقارير مراكز الاحصاء في الغرب فأن "مشكلة السكن حقيقة مرة لا يتقبلها البعض على أن السعودية تحوي فئات كثيرة من الضعفاء (الفقراء) وأن أكثر سكانها لا يملكون منازل خاصة وتقدر هذه النسبة بـ 55 %، أي نصف من ابناء البلد فقراء"- حسب ما نشرته صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية قبل اسابيع .
لسنا بصدد التهويل فهذه حقيقة مرة يعيشها أبناء مملكة الذهب الأسود بكل ما يملكونه من ثروات الهية وذلك بسبب الفساد المستشري بين طبقات العائلة الحاكمة من صغيرهم حتى كبيرهم وهم يعترفون بذلك دون خجل أو استحياء كما جاء على لسان كبيرهم مركز وعصب الفساد في الحجاز "الامير الوليد بن طلال" بأن "رائحة الفساد فاحت في السعودية" في رسالة وجهها الى محمد الشريف رئيس هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، ونشرها على موقعه الالكتروني بتاريخ 2 يونيو/حزيران 2014، مضيفاً :"طلبي وهو طلب الشعب السعودي، خاصة وأن رائحة الفساد قد فاحت ولم نر أي ردود فعل أو إجراءات اتخذت من قبل الهيئة حول هذا الفساد الواضح"!!، وكما يقول المثل العربي الشهير "من فمك أدينك" .
* جمال حسن