السعودية / الغارديان – لعبت الرائد مريم المنصوري، وهي السيدة التي تعمل كطيار في سلاح الجو الإماراتي، دور البطولة في دعاية الشهر الماضي، عندما تم تصويرها في قمرة قيادة مقاتلة من نوع F16، كانت قد استخدمت في الموجة الأولى من الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة على أهداف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق (داعش).
وكانت الصورة المدهشة، التي تجمع بين تمكين النساء المسلمات، وصحوة العرب ضد التطرف الجهادي وافتخار هذه الدولة الخليجية الصغيرة الغنية، وتأكيدها لذاتها الجديدة التي حصلت عليها وتعزيز أجندتها السياسية في المنطقة التي تعيش في حالة اضطراب عميق.
فقد شاركت المنصوري مع طيارين إماراتيين آخرين، انطلاقًا من القاعدة الجوية بالظفرة في صحراء جنوب “أبو ظبي”، في أكثر من طلعة قتالية مع أربعة من الدول العربية الأخرى المشاركة في حملة باراك أوباما لتدمير داعش.
ولا تزال الأرقام في نطاق السرية، والبيانات الصادرة عن القيادة المركزية الأمريكية، التي ذكرت في البداية المساهمات الفردية من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن والبحرين وقطر، تشير الآن فقط إلى تلك الدول بـ”الدول الشريكة” في عملية الحل المتأصلة.
كما يلمح دبلوماسيون أيضًا، أنه ليس هناك سوى حفنة من الطائرات العربية التي تشارك، وأن عدد البعثات آخذ في الانخفاض بالفعل، ولكن الرمزية، على أية حال، ربما يكون لها تأثير أكثر بكثير من أي تأثير عسكري.
ولا يزال، الدور القيادي للإمارات العربية المتحدة في الحرب على داعش هو جزء من الطموحات الأوسع في الشرق الأوسط الذي يتغير بفعل الربيع العربي. فقد ضعفت مصر؛ بسبب الاضطرابات الحاصلة منذ الإطاحة أولًا بحسني مبارك ثم بمحمد مرسي. وتركيا مكروهة من قبل المحافظين؛ بسبب دعمها للإسلاميين، في حين عصفت رياح الحرب بسوريا والعراق من خلال سفك الدماء والطائفية.
ولاتزال الدولة الخليجية السنية المستبدة العملاقة، المملكة العربية السعودية، تتحرك ببطء وحذر بقيادة العائلة المالكة بها.
الإماراتيون، على النقيض من ذلك، هم في حالة دينامية، واثقة ولا يشعرون بالحرج، ويعملون على إضافة خطط إرسال مسبار الفضاء غير المأهول إلى المريخ إلى الإنجازات التي تضم أطول برج في العالم، وأكبر منتجع للتزلج في الأماكن المغلقة في العالم الذين تمتلكهما. وقال دبلوماسي غربي، إنهم: “يسعون إلى إبراز نموذج ناجح لمواجهة خط الإخوان المسلمين، بأن الإسلاميين هم الحل”.
لذا، فقد أدمج الإماراتيون بشكل حاذق أنفسهم في نسيج الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية. فقوات الإمارات العربية المتحدة تخدم في أفغانستان، لتصبح الدولة العربية الوحيدة التي تقوم بذلك، لكنها تعمل بشكل مستقل أيضًا. ففي أغسطس الماضي، قصفت طائرات الإمارات العربية المتحدة التي انطلقت من قواعد عسكرية في مصر أهدافًا إسلامية في ليبيا، على الرغم من أن العملية لم تكن معلنة رسميًا.
وهي الممارسة التي تعلموها من الإسرائيليين (الذين يقال إنهم على اتصال سرية معهم). كما أن طائرات ال F-16E وصقور الصحراء التي تمتلكها الإمارات، هي أكثر تقدمًا من تلك الموجودة في جيش الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الإمارات قد استثمرت الملايين في التسليح، كما فازت بثناء المسئولين الأمريكيين الذين أطلقوا عليها تسمية “سبارتا” الخليج.
ويقول إميل حكيم، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “سواء اتفقنا مع ذلك أم لا، فإن سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر تماسكًا من جميع دول الخليج، وقد اكتسب هذا البلد الصغير مقعدًا على الطاولة، من خلال تطوير قدراته العسكرية بشكل خطير”.
“بالمقارنة مع الآخرين في الخليج، هناك وحدة الهدف والجهد في نظام الأمن الوطني الإماراتي، وهو ما ساعد في أن القضايا الداخلية الكبيرة، ولا سيما الخلافة، قد تمت تسويتها “.
محاربة الإسلاميين في الداخل والخارج، وبالتالي دعم زملائها المستبدين، هو محور نظرة العالم الإماراتي الرسمي، والتي يتبناها محمد بن زايد آل نهيان، ولي العهد، والتي عبر عنها أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية، فقال: “بدلًا من أن التعامل معهم من خلال المشاركة، فقد تم إدراج من يسمون بالإسلاميين المعتدلين في صفوف الجماعات المتطرفة”، كما أعلن قرقاش في الجلسة الافتتاحية للحوار الاسترتيجي بـ”أبو ظبي”.
كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة، هي ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة في العالم العربي، وهو الأمر الذي كان أساسيًا في إقناع الحكومة البريطانية لإجراء استعراض لأنشطة الإخوان، على أمل أنه سيؤدي إلى حظرهم بالمملكة المتحدة.
ويصر صناع الرأي الإماراتيين على تلك النغمة، رافضين الحجة القائلة بأن حظر الإسلاميين الذين يتبنون الديمقراطية البرلمانية من شأنه أن يدرأ مخاطر العنف، وأنه سيترك فراغًا، سيتم شغله من قبل الجهاديين، مثل تنظيمات القاعدة وداعش.
حيث يعترف محمد العتيبة، رئيس تحرير مجلة الوطني، التي تملكها حكومة أبوظبي والتي تصدر باللغة الإنجليزية يوميًا، قائلًا: “صحيح أن جماعة الإخوان ليست مثل داعش، لكن القلق هو أنه إذا جاء الإخوان إلى السلطة، فسوف تتمكن داعش أكثر. وفي النهاية الإخوان المسلمون لا يقدمون شيئًا، كما أن الناس في دولة الإمارات العربية المتحدة سعداء ببقاء الأمور كما هي”.
فالمواطنون الإماراتيون الذين يشكلون رسميًا 18٪ من إجمالي سكان البلاد، يتمتعون بثمار النمو الاقتصادي المرتفع، والتعليم المجاني، والمنح الدراسية السخية والرعاية الصحية. كما أن شيوخ الإمارات قد يسمحون بمجلس وطني اتحادي لديه صلاحيات محدودة، ولكنهم لا يسمحون بالأحزاب السياسية.
وقد تم طرد الإخوان من الإمارات في تسعينيات القرن الماضي، حيث أثارت قسوة إدانة 69 الإسلاميين وغيرهم، بتهمة السعي لقلب نظام الحكم الانتقادات من قبل جماعات حقوق الإنسان، ولكن ليس من قبل الحلفاء الغربيين. كما يتم مراقبة وسائل الإعلام الاجتماعية عن كثب واحتجاز المعارضين بشكل روتيني، ومعاملة العمال المهاجرين بشكل يثير اللوم المنتظم من المنظمات غير الحكومية.
وتنبع الرغبة في تأكيد الذات في الإمارات، من وجهة نظر مشعل القرقاوي، الذي يدير مركز أبحاث معهد “دلما”، الذي يقع في واحد من العديد من الأبراج المتلألئة بـ”أبو ظبي”، من قدرتها الجديدة التي حصلت عليها للمشاركة في الشأن العالمي، فضلًا عن الشئون الإقليمية.
والعامل الآخر، هو المنافسة مع قطر، الجارة المنشقة التي فعلت الكثير من أجل الإخوان. فكلا البلدين ساعدت المتمردين الذين يقاتلون للإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا في عام 2011، ولكن قطر دعمت الميليشيات الإسلامية، في حين دعم الإماراتون القوميين المنافسين. وقد نقلت الغارات الجوية الغامضة على طرابلس في أغسطس العداء بينهما الى مستوى جديد.
كما أن أحد دوافع تلك الرغبة في تأكيد الذات، هو مشاركة الإماراتيين في مصر من خلال التنافس مع قطر، التي أصبحت قناة الجزيرة بها المشجع الصريح لمرسي والإخوان، فوجدنا أن وسائل الإعلام الإماراتية وشركات العلاقات العامة، تركز بشكل مكثف على فضح ومواجهة نفوذ الدوحة. وربما كان الخلاف الدبلوماسي القبيح الذي حول بقية مجلس التعاون الخليجي ضد قطر قد هدأ، لكنه لم ينته بعد.
وينفق الإماراتيون مع السعوديين، المليارات من الدولارات لإنقاذ الاقتصاد المصري، وتشجيع الإصلاحات أملًا في أن يؤدي ذلك إلى استقرار الوضع للحكومة المعادية للإسلاميين.
النفور من الإسلام السياسي بكافة أشكاله، يعني أن سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الحرب في سوريا قد تختلف عن جيرانها. فالقطريون والسعوديون أفرادًا وحكومات، أنفقوا مبالغ طائلة لتمويل جماعات إسلامية، انضم بعضها إلى داعش مع مرور الوقت.
ولكن الإماراتيين يريدون إسقاط بشار الأسد، ولكن ليس بأي ثمن، فقد دعموا مقاتلي المعارضة المعتدلة فقط، الذين وافقت عليهم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
الإماراتيون هم أكثر ثقة في الولايات المتحدة من السعوديين. لكن تيارًا من القلق يجتاحهم بشأن قدرة أوباما، والقيود المفروضة على استراتيجيته، من خطر حدوث رد فعل عنيف من السنة، وسعيه للتقارب مع ايران.