مريم عبدالله/
السلطات السعودية مشغولة هذه الأيام بملاحقة منتقديها على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تصدير الفتاوى والخطب الدينية كافة، باعتبار محاربتها للمواقع الإلكترونية، من دون تصنيفها حتى، «جهاداً في سبيل الله»!
الجميع يعلم أنّ حاكم السعودية بات في حيرة من أمره لجهة أي من الجبهات يستطيع كبحها. جبهة الليبرالي «الكافر» المنادي بالدستور ودولة حقوق الإنسان، أو المتشدد الذي يكفّر النظام نفسه ويطالب بإقامة الدولة الإسلامية. الاثنان باتا ناشطَيْن على السوشال ميديا للترويج لأفكارهم. لكن وفق رؤية المنظمات الحقوقية، اختار النظام تصفية الجبهة الأولى، ومحاولة مغازلة التيار المتشدد، عبر تقديم النصح والمحاضرات، والفتاوى أيضاً، لتغيير قناعته وكسبه إلى صفّه.
إذاَ، أن تكون إرهابياً أسهل بكثير من أن تكون ناشطاً في مملكة تحمل في جيناتها الفكر الداعشي.
في هذا السياق، نبّهت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أخيراً إلى ضرورة فضح هشاشة النظام الظاهرة في المُلاحقات القضائية للنشطاء والمدوّنين المستقلين على شبكات التواصل، مشدّدة على وجوب إجراء «إصلاحات ضرورية وعاجلة، بدلاً من ملاحقة المُنتقدين على الإنترنت»، وفق البيان الصادر يوم الأحد الماضي بعنوان «السعودية ــ الانقضاض على حرية التعبير على شبكة الإنترنت». وأشارت «هيومن رايتس ووتش» إلى «غموض» بنود قانون مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي (2007)، الممتزج اليوم بقوانين الإرهاب المتلاحقة. قوانين استفاد منها النظام في «كنس» المدوّنين وإغلاق حساباتهم ومواقعهم الإلكترونية، وفي التشدّد في أحكام قضائية بدت هزلية في قسوتها على خلفية تعليقات افتراضية مسّت هيبة الديكتاتور.
كلام المنظمات الحقوقية يعيدنا إلى حوادث مختلفة. أخيراً، نال المدوّن السعودي ومؤسس «الشبكة اللبيرالية السعودية» رائف بدوي، جائزة «مواطن الإنترنت» من منظمة «مراسلون بلا حدود» عام 2014. غير أنّ بدوي سبق أن أدين في تموز (يوليو) 2013 بحكم نافذ بالسجن عشر سنوات وبألف جلدة على عشرين دفعة أمام أحد مساجد مدينة جدة (غرب السعودية)، إضافة إلى تدمير حاسوبه الشخصي (أصل الشرّ)، بتهمة «إهانة الدين الإسلامي والترويج للأفكار الليبرالية». وهي تهمة اعتبرتها المنظمات الحقوقية «إشكالية». اليوم، ما زالت زوجته إنصاف تحارب على أكثر من جبهة لمنع تنفيذ الحكم خلال أشهر بحقه. من كندا حيث المنفى الإجباري، قالت الزوجة لـ«الأخبار»: «السعودية بلد يقود حرباً جديدة على «داعش»؛ ذلك التنظيم الذي يُطبّق الجلد والقتل على مخالفيه. فكيف تجد السعودية وحلفاؤها في الحرب على الإرهاب أنّ جلد رائف متسقاً مع ذلك؟».
صيادو حرية الصحافة، أطلقوا حكماً قاسياً على المدوّن مخلف الشمري في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بالسجن عامين و200 جلدة، بعد ملاحقة قضائية طويلة. ملاحقة أجبرته خلالها وزارة الداخلية على إغلاق حسابه على تويتر (@mikhlif) في غضون 48 ساعة.
وفي السياق نفسه، جاءت مفاجأة اعتقال أوّل امرأة في تاريخ الحراك التدويني في السعودية. في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2014، تم استدعاء سعاد الشمري، والتحقيق معها، ومن ثم نقلها إلى أحد سجون جدة (الأخبار 3/11/2014). الشمري حقوقية معروفة وشريكة أساسية في الإشراف على موقع «الشبكة الليبرالية السعودية» (أغلق لاحقاً) مع رائف بدوي. وهي شخصية مثيرة للجدل في الشارع السعودي، كما أنّ الجمهور المتابع لها كثيراَ ما ينقسم حول ما تمارسه من نشاطات وما تنشره على حسابها على تويتر. فهي تُهاجم الإسلاميين والمتشددين في بلادها من جهة، وفي المقلب الآخر تغازل المتحدث الرسمي باسم جيش العدو الإسرائيلي إلى الإعلام العربي أفيخاي أدرعي، وآخرين من المسؤولين الإسرائيليين عبر تغريدات تبشّر بـ«حلم السلام مع الصهاينة».
المملكة التي حافظت على المرتبة 164 في «التصنيف العالمي لحرية الصحافة» لعام 2014 الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود»، ستُصنّف ــ ولوقت طويل ــ عدوّة للإنترنت. لكن هذا لا يعني نهاية أو خفوت الصوت الشبابي في المملكة العجوز في المرحلة المقبلة.
المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبنانية