بالعادة يطلق الاستراتيجيون والخبراء في الشأن الدولي والعلاقات الدولية على ما يجري في العراق بـ"المرحلة الانتقالية".
وبغض النظر عن التقدم في العملية الديموقراطية يمكن ان تقصر او تطول وذلك مرتبط بالوعي والتماسك الداخلي (الوحدة الوطنية) والانقسامات الاثنية والمذهبية (الهشاشة الديموغرافية) والتحديات الاقليمية والدولية والصراعات داخل الاسوار وخارجها وكيفية مواجهة المؤامرات التي يحيكها المتربصون الذين تتأثر مصالحهم الاقتصادية والسياسية وحتى المذهبية، وفي الشأن العراقي تأتي المملكة العربية السعودية في المقام الاول بكل ما تمثله من منتج وممول وداعم للارهاب وما تكنه من حقد اسود لمكون اساسي يمثل الاكثرية الساحقة في العراق. السعودية الخاسر الاكبر لاي عملية سياسية ناجحة في العراق.
الفوضى العارمة التي يشهدها العراق بعد "غزوة الموصل" واعدام كل سني لا يبايع المجرم "ابو بكر البغدادي" كالشيخ محمد المنصوري امام مسجد الموصل الكبير الى جانب 12 امام اخرين، والاغتصاب وتزويج الفتاة لاكثر من زوج تطبيقاً لفتوى "جهاد النكاح" والقتل الجماعي للشيعة والمقابر الجماعية وعمليات التطهير المذهبي تشير اكثر من ذي قبل الى ان الوضع العراقي اشد تعقيدا مما قد يراه اي مراقب نظراً لوجود قوى اقليمية تضاربت مصالحها في مكان وتقاطعت في العراق. والملفت للانتباه ان ارتفاع منسوب التعقيد والجنون تزامنا مع التقدم في العملية الديموقراطية في العراق والانتخابات السورية والنجاحات الاستراتيجية التي يحققها الجيش السوري وامكانية التقارب الايراني-الامريكي.
انا لا اتهم السعودية من فراغ. مجموعة لا تعد ولا تُحصى من الشواهد تؤكد ان"الحقد المذهبي" المحرك الاساسي لسياسة السعودية في المنطقة. رغم ان مشروع صدام كان يهدد نظام آل سعود الا انها دعمته يوم شن عدوانه على ايران، ووقفت ضد حزب الله في حرب تموز 2006، وارسلت جيشها لقمع الشعب البحريني الاعزل، وارسلت ارهابييها الى لبنان بزعامة ضابط المخابرات السعودي ماجد الماجد قائد كتائب عبدالله عزام، وكذلك حربها على سوريا وحربها على الحوثيين. حقدها الاسود لا حدود له وترجمته بارتكاب مجازر جماعية في المدن العراقية التي سقطت بيد داعش.
الجنون الذي اجتاح بعض الانظمة العربية، بالاخص السعودية دفعها لتخصيص مليارات من البترودولار تعيد الوضع الى ما كان عليه قبل 2003 وهيمنة مكون واحد على السلطة في العراق يحول العراق والعراقيين الى وقود لحقدها على ايران، او في الحد الادنى تقسيم العراق – خطة ب – الى دولة شيعية في الجنوب غير مستقرة حتى يبقى الانتاج السعودي للنفط على مستواه الحالي، ودولة كردية في الشمال ودولة سنية تمتد على امتداد معظم الحدود الشرقية (محافظتي نينوى والانبار) لسوريا فتصبح هذه الدولة خزان الارهابيين الذي يضرب سوريا ويخرب في المنطقة. عمليات القتل الجماعي التي تضع الشيعة امام خيارين لا ثالث لهما، الهروب قبل وصول داعش وحلفائها او الموت هي عمليات "تطهير مذهبي" واسعة تتحمل السعودية المسؤولية الجنائية.
اما تركيا، بعد عقود من التسول والرفض الاوربي لانضمامها الى الاتحاد الاوربي "النادي المسيحي" بحسب تعبير هلموت كول وفرانسوا ميتران واخرين، وفشل مشروع احمد داوود اوغلو "الشرق الاوسط التركي" وتقدم الجيش السوري على الجبهة الشمالية فقررت الحفاظ على ما لديها من مكاسب اقتصادية – البترول من دير الزور وكردستان العراق – حيث التقت مصالحها مع الاستراتيجية السعودية. اضعاف الحكومة العراقية يعزز من قدرات مسعود البرزاني على السيطرة على كل نفط الشمال العراقي خاصة المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، وسيطرة الارهابيين على نينوى يعزز من قدرات الارهابيين على الاستمرار في السيطرة على نفط الشمال السوري. كما ان اضعاف الحكومتين المركزيتين في العراق وسوريا يعزز من وضع تركيا في التوصل الى تفاهم مع ايران حول سوريا.
الملفت في هذه التطورات ان المصالح التركية التقت مع الاستراتيجية السعودية رغم ان السعودية وضعت الاخوان المسلمين على لائحة المنظمات الارهابية ما يعني ان اردوغان وكل حكومته وتياره ارهابيين.
* رضا حرب