السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، في تقرير تناولت فيه عمليات الإعدام في السعودية، أن محمد سعد البيشي، مهني مُحترف، يدّر عليه عمله عليه راتبا جيدا وعلاوات. لذلك قرر تعليم ابنه أيضا سر صنعته. كان يصطحب ابنه، على حسب قوله، لسنوات إلى مكان عمله، وعلمّه بكل حرص طريقة حركة اليدين وقوة رفع اليد والزاوية الصحيحة لاستخدام السيف. البيشي هو قاطع الرؤوس الأول في المملكة العربية السعودية.
وخلال هذا العام وحده، قطع حوالي 100 رأس فقط من رؤوس المواطنين السعوديين وغير السعوديين. وكان ما أنجزه من عمل خلال الأشهر الخمسة القليلة في هذا العام أكثر مما أنجزه في العام المنصرم بأكمله. ونفّذ إحدى عمليات الإعدام بقطع الرأس في شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام، بعد مدة قصيرة من تتويج الملك سلمان بالعرش، وقبل وقت قصير من وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السعودية لتقديم العزاء في الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.
عقاب قطع الرأس في ملأ من الناس هو العقاب الشائع في المملكة ضد القتلة وضد من يتهمون بالردة عن دينهم، ولكن هناك أيضا أشكال للعقاب أقل وطأة. فالسارق العادي ينتظره حكم قطع يده اليُمنى، بينما اللص الذي يُشارك بعملية سطو مُسلح قد يفقد كلتا يديه. وفي حالات أُخرى؛ يتم تطبيق عقاب القصاص، فمثلا؛ يتم فقأ عين من فقأ عين شخص آخر، أو إتلاف العمود الفقري لشخص تسبب بشلل أو عجز شخص آخر.
وهناك نوع من النهج الليبرالي عند تطبيق عقوبة قطع الرأس. فعلى سبيل المثال؛ تتم إعادة خياطة الرأس المبتور في جسم الضحية، حيث تمنع الشريعة الإسلامية المس بجسد الشخص الذي يتم إعدامه، وكذلك في ظل هذه الروح الليبرالية يتيحون للمحكوم بالإعدام فرصة الحصول على عفو، إذا قررت عائلة الضحية أن تُسامحه أو أن تأخذ فدية مقابل إلغاء حكم الإعدام.
ولم يحالف هذا الحظ امرأة إندونيسية، كانت قد انتظرت قرابة مدة 12 عامًا لحين تنفيذ حكمها، وذلك حتى يكبر الطفل الذي قتلت أمه حين كانت تعمل خادمة في بيت العائلة، ويتسنى له الصفح عنها. ورفض الطفل العفو عنها، ولذلك تم قطع رأسها.
ودفعت الحكومة الإندونيسية في بداية هذا العام 1.8 مليون دولار لعائلة شخص قُتل أيضا على يد مواطنة إندونيسية بعد أن عانت من التعذيب، وقد أنقذت الفدية حياتها. ومن المعروف أن إندونيسيا ذاتها، أكبر دولة إسلامية في العالم، تُطبق أيضا عقاب قطع رؤوس المجرمين. وقد تحدث مسؤولون في السلطات السعودية عن تطبيق الإعدام في إندونيسيا، عندما رفضوا قبول العفو عن واحدة من المواطنات الإندونيسيات، وقال السعوديون حينها: «تنتهج إندونيسيا نوعا من التمييز حين تُطالب بأن نعفو عن إحدى مواطناتها، بينما الحكومة الإندونيسية تطبق أيضًا عقوبة قطع الرؤوس». وورد في رد وزيرة الخارجية الإندونيسية: «وفق دستورنا، على الحكومة أن تهتم بسلامة مواطنيها، هذا ليس تمييزًا ولا ازدواجية في المعايير».
هل أوشكت على النهاية؟
وربما تكون أيام هذه العقوبة، غير الجميلة مطلقا، قد أوشكت على نهايتها. وقام أحد الباحثين في مجال العلوم الأمنية بجامعة نايف العربية بفحص احتمالات أُخرى لاستبدال عقوبة قطع الرؤوس دون المس بالشريعة التي تنص على أن الإعدام يجب أن يكون سريعا ولا يسبب أي ألم للشخص، فضلا عن عدم تعذيب جثة المحكوم عليه بالإعدام، وكل ذلك يجب أن يتم وفق الشريعة الإسلامية.
وفحص الباحث «عبد العزيز التويجري» على هذا الأساس طُرق أُخرى مقبولة. وقال «إن طريقة الإعدام بالرصاص ليست طريقة مقبولة، كون النيران قد تُصيب أعضاء رئيسية في الجسم ما يؤدي إلى تشوّه الجثة. وبالمقابل؛ ربما يسمح بتلك الطريقة في غالب الأحيان إذا كان الرماة ماهرون وليس هناك نسبة ولو ضئيلة في خطئهم».
وفيما يتعلق بطريقة الإعدام باستخدام الكرسي الكهربائي؛ فإن هذه الطريقة مرفوضة من الناحية الدينية بشكل تام، حيث يموت المحكوم فقط بعد ضربة الكهرباء الثالثة. وتسبب له الضربة الأولى الألم، بينما يكون لا يزال واعيا تماما بكل ما يدور حوله. وفي الضربة الثانية ربما يفقد وعيه، لكنه أيضا يبقى شاعرا بالألم، وتؤدي الضربة الثالثة فقط إلى موته.
الإعدام عن طريق حقن الجسم بمادة سامة هي الطريقة المُفضلة، بحيث يُحقن المحكوم أولا بمادة مُخدرة بعد تناوله آخر وجبتين ليموت دون أن يشعر بأي ألم. وعلق التويجري بقوله إن «هذه أكثر طريقة إنسانية لتطبيق عقوبة الإعدام».
ومن الصعب جدا عدم الالتفات للجهد الفكري الذي يتم بذله في السعودية للتخفيف عن المحكومين بالإعدام، الذين يعدّ نصفهم تقريبا تجار مُخدرات. وبالمناسبة؛ فقد قال الرئيس «أوباما»، عندما طُلب منه التعبير عن رأيه بخصوص مسألة الإعدام، «نضطر في بعض الأحيان أن نوازن حاجتنا للحديث مع السعوديين بخصوص حقوق الإنسان مع قلقنا البالغ في مجال مواجهة الإرهاب والاستقرار في المنطقة».
وبما أن منطقتنا هي مصدر لا ينضب فيما يخص القلق بمجال الإرهاب ومواجهته، فمن الواضح تماما سبب الصمت الأمريكي فيما يخص مسألة حقوق الإنسان في السعودية. المملكة دولة حليفة بمواجهة إرهاب قاطعي الرؤوس الآخرين الذين ينشطون في سوريا والعراق، لذا؛ هل تعتبر قيمة الــ 100 رأس أو أكثر التي تتدحرج في ساحة الميدان المركزي في الرياض ضئيلة مقارنة بالفائدة التي تأتي من المملكة؟.
الحقيقة أن هناك فرق كبير: يُطبق حكم قطع الرأس في السعودية بعد أن تنظر ثلاث هيئات قضائية في القضية، مع وجود إمكانية للعفو. وبالمقابل، تتخطى «الدولة الإسلامية» المسألة القضائية، وهذا أمر لا يُحتمل أبدًا.