القمة العربية المقبلة.. بلا السعودية

بغض النظر عن التسمية أو العنوان الذي وقع عليه الخيار ليكون شعاراً لسنة مقبلة، والذي اختارته الكويت كبلد مضيف للقمة العربية في دورتها الـ25، وهو "التضامن من أجل مستقبل أفضل"، فإن الاجتماع أو دورة القمة ليست كسابقاتها من حيث التشابه إطلاقاً، خصوصاً أن الخلافات العاصفة بين الدول والممالك والمشيخات هذه السنة أكثر بكثير مما كان في الماضي، وهي على طريق الاشتداد مع غياب الحكماء جميعاً، وحضور المسبّحين باسم الولايات المتحدة الأميركية، والقابلين صاغرين لرغبات الإدارة الأميركية بلا نقاش، ولو من باب رفع العتب أو حفظ ماء الوجه، ما دامت الكرامة معروضة في سوق الأسهم، أو من ضمن المكرُمات التي يُشتهر بها مصادرو النفط العربي.

ولأن "المكتوب يُقرأ من عنوانه"، فإن المراقب لوجوه المشاركين في قمة "الاختلالات العربية الكبرى"، وهي التسمية الواقعية لما يحدث، لا بد أن يتوقف عند قدرة الذين اجتمعوا لحلّ الأزمات الجامحة، على النظر إلى الأوضاع في مصر، حيث التخبط السياسي وعدم الاستقرار، والأمن المنفلت والاقتصاد المترنح، وشبَح الدمار المقترب، وإلى الأوضاع في ليبيا التي باتت في "خبر كان" على المستوى السياسي من حيث التأثير والاحترام، وسط أمن يقترب من "الصوملة" بخطى متسارعة، فيما الصومال نفسه يبحث عن نموذج يكنَّى به مع اجتياح الإرهاب للعراق وسورية، وطرقه أبواب تونس والجزائر والسودان، ولبنان أيضاً بنسب متفاوتة.

وبالطبع، فإن الشجون الفلسطينية تستنسخ نفسها، وبوتائر أسرع، مع نفض غالبية المجتمعين يدهم من المسؤولية خضوعاً وبملء الإرادة لرغبات "الإطار" الأميركي الوهمي، وسط انقسام فلسطيني لا يُحسد الشعب الفلسطيني عليه، ولا على القيادات المتحكّمة بمسار قضيته، لا سيما أن "أنصاف الرجال" أبقوا "المبادرة العربية" مع التعديلات التنازلية على الطاولة، وذهب تلويحهم بسحبها أدراج الرياح.. لأنهم "رجال لا يغيّرون كلامهم" إلا بعد حضور الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية؛ مصدر الضغط على أصحاب القضايا، إن بالمال أو الإرهاب.. كي يتنازلوا.

أما منطقة الاستضافة، ورغم الكلمة الافتتاحية العقلانية لأمير الكويت، فهي رهينة العواصف التي حرّكتها السعودية على أمل الإمساك برقاب كل أنظمة الخليج، حتى انتفض بعضهم في وجهها باعتبارها المتسلّط الأكبر في المنطقة، فدبّت الخلافات بين أطراف مجلس التعاون الخليجي، الذي أضحى مجالس تمويل وتموين للمجموعات الإرهابية المتقاتلة والمتصالحة وفقاً للطقس السياسي، وقد "بشّر" وزير خارجية البحرين قبيل الانعقاد بساعات بعقم احتمال المصالحة بين دول الخليج، واستبعاده إتمام المصالحة مع قطر، سواء خليجياً، أو عربياً بشكل عام، وكان المؤشر الصحيح بأن "خذوا أسرارهم من صغارهم"، ولذلك فإن شعار تنقية الأجواء بات تحقيقه مستحيلاً مع التشتّت العربي المستفحل، بدل التضامن العربي الذي "انفخت دفه فتفرق أقرب العاشقين"، وطارت الآمال بمصالحات خليجية – خليجية، فكيف بعربية – عربية؟!

أما الدول العربية الفقيرة فهي مجرد صدى للمتصارعين، وهم بالمجموع من منفذي "رغبات" أصحاب الشهوات، ويحاول كل منهم السير بين زخ السموم المتبادلة، علّ استجداءاتهم لمساعدات يتحقق بعض منها، رغم إدراكهم أن الأموال مرصودة لتمويل القتل غير الرحيم على أرض سورية والعراق، ولتمويل الإرهاب أينما كان، باعتباره الدرع الواقي مستقبلاً.

أما تطوير الجامعة العربية كبند، فلم يتوهّم أحد بأن يقارب الجديّة، سيما أن الغالبية رهينة تفكير "ماضاوي" هرم، وغير قادرة على تطوير أنظمتها الداخلية، وما تزال بلا دساتير أو حتى قوانين، وعلى رأس أولئك نظام آل سعود.

الإنجاز الوحيد الحاصل في هذه القمة هو منع السعودية من إعطاء مقعد سورية لأحد خُدّامها المدعو أحمد الجربا، رغم أن سورية ليست بحاجة إلى الجلوس بين نكرات محسوبين على الأمة العربية، ويصرفون من رصيدها المعنوي والتاريخي.

لم تكن نتائج القمة التي استضافتها الكويت أقل من المتوقَّع أو أفضل، فهي الأكثر تواضعاً، وليست الخيبات بجديدة، إنما جاءت النتائج أدنى على مستوى الأفكار، وحتى من حيث الشكل، لأن العالم يتغير والكبار لا تعنيهم مثل هذه الاجتماعات التصويرية، فيما النافذون في مثل هذه الاجتماعات يكررون الطقوس إياها، مع القبول والتسليم لكل ما يطلبه سيد البيت الأبيض، الذي يقول كلمته من السعودية هذه المرة.. أو في السنة المقبلة تكون القمة بلا السعودية الحالية.

 

يونس عودة – الثبات