السعودية/ نبأ- قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، في تقرير للصحافية دعاء سويدان، أن ملف السجناء السعوديين في العراق يعود إلى الواجهة حاملاً معه المزيد من علامات الاستفهام بشأن أجندة السفير السعودي في بلاد الرافدين ثامر السبهان؛ فمع تنفيذ السلطات العراقية، قبيل أيام، حكم الإعدام بحق السجين السعودي الأشهر عبدالله عزام القحطاني، عادت الأوساط الإعلامية السعودية لتفتح أسفار الملف المذكور، وسط اتهامات لبغداد بتنفيذ أجندات سياسية أكثر منها قضائية
وأوضحت سويدان، أنه لا تبدو هذه المساعي جديدة بالنسبة إلى العارفين بخبايا القضية الممتد عمرها إلى السنوات العشر الماضية، إلا أنها تأتي اليوم وقد عادت السعودية إلى العراق من البوابة الدبلوماسية العريضة، بعد أعوام عجاف شهدت الكثير من التناحر على خط بغداد ــ الرياض. منذ تولّي رئيس الحكومة السابق نوري المالكي سدة السلطة التنفيذية، بدا المعتقلون السعوديون أشبه ما يكونون بمادة دسمة لتصويب السهام السياسية.
مع كل توتر بين الجانبين كانت الأصوات الملكية تتيقظ إلى "أبناء الوطن القابعين خلف سجون بغداد والناصرية والموصل والسليمانية والمتعذبين بشتى ألوان الانتهاكات". حتى إن مناسبات الهزم والهزم المضاد في مباريات كرة القدم لم تصغر عن أن تكون فرصة للاستثمار، ولعل أبرز مثال على ذلك ما نشرته وسائل الإعلام السعودية في تشرين الأول 2013، حين نقلت عن رئيس لجنة المعتقلين السعوديين في العراق، ثامر البليهد، قوله إن ستين معتقلاً تعرضوا لاعتداءات بالضرب المبرح والإهانات بسبب فوز المنتخب السعودي على نظيره العراقي مساء الثلاثاء (15 ت1 2013). وأشار البليهد في مقابلته تلك مع قناة "العربية" إلى أن "20 سجيناً سعودياً تعرضوا قبلاً لاعتداءات مماثلة بسبب هزيمة العراق أمام الإمارات في مباراة كان حكمها سعودياً".
على المستوى السياسي، لم تمنع الخصومة السعودية للمالكي من إجراء مفاوضات لإتمام صفقات تبادل بين الطرفين، وقد أثمرت المفاوضات الثنائية اتفاقيتين اثنتين: أولاهما وُقّعت في الرياض في آذار 2012 بين وزيري عدل البلدين محمد العيسى وحسن الشمري، تنص على أن تسلم دولة الإدانة المحكوم عليه إلى دولة التنفيذ، على أن يتم تنفيذ العقوبة المنصوص عليها من دون تعديل مدتها أو طبيعتها. أما الثانية فوقّعت في الرياض أيضاً، في حزيران 2013، بين وزير داخلية المملكة محمد بن نايف ووزير عدل العراق (السابق) حسن الشمري، تسمح للسجناء السعوديين بقضاء باقي محكومياتهم في وطنهم. أكثر مما تقدم، أبدت بغداد، إثر توقيع الاتفاقية الثانية، استعداداً لتخفيض أحكام السعوديين المحكومين بالإعدام. ولفت الشمري يومذاك، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى وجود مباحثات لإعادة محاكمة خمسة سعوديين، بما يسمح بتخفيض أحكامهم من عقوبة الإعدام إلى عقوبات سالبة للحرية، تمهيداً لشمولهم بالاتفاقية.
كان يفترض باللجنة المشتركة التي تشكلت بين الدولتين لتسوية الأزمة توطئة الطريق لإتمام التبادل وتيسير أمور السجناء. كذلك كان يفترض بوفد أمني سعودي ألّفه بن نايف وسلم رئاسته إلى وكيل وزارة الداخلية أحمد السالم تأدية المهمات نفسها، إضافة إلى وضع إمكانية العفو العام على طاولة البحث. لعبت اللجنة المشار إليها دوراً رئيساً في تسهيل تنقيل السجناء السعوديين إلى مناطق يلين القدوم إليها من الأردن، فضلاً عن استخراج تأشيرات للأسر السعودية الراغبة في زيارة أبنائها في سجن سوسة في إقليم كردستان، فيما لم يسجل للوفد السعودي أيّ نجاح في مهمته لكونه لم يبدأها أصلاً. ظلّ التورط السعودي في تزخيم النيران العراقية، خصوصاً عقب أحداث سجني أبو غريب والتاجي (حزيران 2013) التي تخللها تهريب حوالى 650 سجيناً من أمراء "دولة العراق الإسلامية" وقياداتها، مرخياً بثقله على ملف التبادل، وحائلاً دون تذليل المطبات البرلمانية أمامه. "كيف تُمنح السعودية فرصة استعادة جانحيها وجناتها وإرهابييها، في وقت يتواصل فيه تقاطر أبناء المملكة المدجّجين بالمتفجرات على بلاد الرافدين؟". سؤالٌ ظل يؤرق غالبية النواب العراقيين، ووقف بوجه تمرير الاتفاقية في 14 كانون الثاني 2014.
في ذروة الجدل بشأن تبادل السجناء بين العراق والسعودية عام 2013، خرج قائد الفرقة الخاصة يومها اللواء فاضل برواري بتصريح لافت قال فيه إن أكثر من 4000 انتحاري من جنسيات عربية مختلفة فجّروا أنفسهم في العراق. اللافت في إحصائيات برواري أن السعوديين احتلوا المرتبة الثانية بعد الأردنيين والفلسطينيين بـ300 انتحاري. كان ذلك في أوج الدفق السعودي إلى "شاطئ الماء" عبر الحدود السورية، وكان الإشارة الأكثر تعبيراً عن صعوبة الصفح والتخلي. اليوم، لا يبدو أن أشياء كثيرة قد تغيّرت، لا يزال السعوديون يتصدرون صفوف المفجّرين في بلاد الرافدين، وإن تبدّلت حواضنهم من تنظيم "القاعدة" إلى تنظيم "داعش". كذلك لا تزال قطاعات عريضة من الطيف العراقي ترفض التساهل مع المعتقلين السعوديين في سجون بغداد. لا يعنيها في الرفض تفاوت جرائم هؤلاء وعقوباتهم واندراج عدد منهم في الاتفاقية المبرمة بين البلدين، بل محددات الاستراتيجية السعودية القائمة حتى الآن، بالنسبة إليهم، على اللفلفة والفرض في غياب أيّ مؤشرات تعقل.
قبيل أيام قليلة على تسلمه مهماته كأول سفير سعودي في العراق منذ 25 سنة، أعلن ثامر السبهان أن متابعة ملف المعتقلين السعوديين لدى السلطات العراقية ستكون من أولى مهماته، مشيراً إلى أن توصيات الملك ووليّي عهده شددت على تأمين محاكمات عادلة للمساجين وتكليف محامين أكفاء للدفاع عنهم وحضور محاكماتهم في المحاكم العراقية. أرسل هذا التصريح إشارات سلبية للقوى السياسية التي توجّست من إعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد، ذلك أنها رأت فيه بادرة شؤم، خصوصاً أنها لمست لدى الحكومة العراقية استعداداً لتلبية طلبات من هذا النوع. فقد كادت حكومة حيدر العبادي قبل أشهر من تعيين السبهان تلبّي طلب وزارة الخارجية القطرية بإطلاق سراح الضباط القطريين الذين أسرتهم فصائل من "الحشد الشعبي" في مدينة الرمادي، لولا أن تدخلت المرجعية الدينية لدى وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، محذرة إياه من "هكذا عمل مشين".
عقب فترة وجيزة من إعادة افتتاح السفارة السعودية في العراق، علت موجة من التصريحات والتصريحات المضادة بين السبهان والسلطات العراقية، في ما بدا أنه خليط من الصَحاح والأغلاط الممزوج برغبة بغداد في تهدئة المخاوف. فبينما أعلن سفير المملكة في عاصمة الرشيد أنه تلقّى معلومات تفيد بالإفراج عن عشرة معتقلين سعوديين في العراق، وأن السفارة تتابع الآن الجوانب الترتيبية لإنهاء إجراءات نقلهم إلى الديار، نفى وزير العدل العراقي حيدر الزاملي نية بلاده إطلاق سراح سجناء سعوديين بناءً على اتفاقية التبادل الموقّعة بين البلدين. ولفتت الوزارة، في بيان، إلى أن السجناء السعوديين لا يزالون يقضون مدد محكومياتهم وفقاً للقانون العراقي، مضيفة أن اتفاقية التبادل وُقّعت في عهد الحكومة السابقة ولا تزال عالقة في مجلس النواب، ومؤكدة أن الاتفاقية لا تشمل السجناء المدانين بالإرهاب. اللافت أن بيان الوزارة جاء بعد أربع وعشرين ساعة فقط من تصريح للسفير العراقي في السعودية، رشدي العاني، قال فيه إنه سيتم إطلاق سراح عشرة سجناء سعوديين قريباً لمناسبة إعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد. ظهر واضحاً أن ثمة تفاوتاً في رؤية أقطاب السلطات العراقية لمعالجة الأزمة، فيما استشعر متابعو الملف أن ما يدور فوق الطاولة مفارق لما يجري تحتها.
في الخامس من شباط الجاري، أعدمت السلطات العراقية شنقاً السجين السعودي الأشهر على أراضيها عبدالله عزام القحطاني في سجن الناصرية. لم يبد أن لعملية الإعدام حيثيات غريبة تستدعي حملة سياسية وإعلامية سعودية مضادة. فالقحطاني متّهم بقتل صائغي الذهب في بغداد وبتفجير عدد من الوزارات والمباني، كما أنه ليس مشمولاً باتفاقية التبادل السعودية العراقية كونه متورطاً في عمليات إرهابية، والأهم أن اسمه كان من ضمن قائمة عراقيين وسعوديين وعرب صادق الرئيس العراقي فؤاد معصوم على إعدامهم قبيل أيام من تنفيذ الحكم بحق القحطاني. على الرغم من ذلك، تعالت الأصوات السعودية المشككة في نزاهة الحكم، إذ لم يكد يمر يومان على إعلان الإعدام حتى أدلى السبهان بتصريح صحافي قال فيه "إن السفارة السعودية ستدافع من أجل نقض الأحكام الصادرة بحق مواطنيها في العراق وإعادة محاكمتهم، بعدما ثبت لديها خضوع السجناء لضغوط أثناء التحقيق". كذلك، شككت "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان" (سعودية محلية) في عدالة الأحكام الصادرة ضد سعوديين في العراق، معتبرة إياها نتيجة ضغوط طائفية وظروف أمنية إقليمية لعبت دوراً كبيراً في إصدارها. وأشارت الجمعية إلى أنه "في الغالب يتم إجبار المتهمين تحت الضغط على إجابات تدينهم إضافة إلى اتهامات ينكرونها، ومع ذلك يحكم ضد المتهم دون توافر الأدلة المدينة له". ونشرت "حملة السكينة" التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية بدورها تقريراً على موقعها الإلكتروني زعمت فيه أن القحطاني أدين "رغم عدم وجود دلائل ملموسة سوى إجباره على الاعتراف بالقوة وتحت التهديد".
أما صحيفة "عكاظ" السعودية فنقلت عن المتحدث باسم أهالي السجناء السعوديين في العراق، عبدالله الحربي، قوله إن "الأحكام جاءت قسرية بعد أخذ الاعترافات بالقوة في محاكمات هزلية خالية من أدنى صفات المحاكم القضائية المعروفة، وإن الأهالي يتخوّفون من اعتماد الرئيس العراقي أحكام الإعدام، ما يجعلها واجبة النفاذ، وتصفية السجناء استجابة لأجندات إيرانية تستهدف الإساءة للمملكة والانتقام منها". ولمّحت صحيفة "الحياة" السعودية، من جانبها، إلى كون الاتهامات مفبركة "بالنظر إلى أنها وُجّهت للقحطاني في وقت كان فيه موقوفاً لدى الأجهزة الأمنية، إلا أن العراقيين رفضوا نقض الحكم أو إعادة التحقيق في مزاعمهم".
وإلى جانب ردود الفعل الكلامية، أفيد يوم الخميس الماضي عن "تنفيذ حكم القتل قصاصاً بحق مواطن عراقي مدان بالقتل في محافظة حفر الباطن"، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الداخلية السعودية، وهو ما حمل إشارة إلى إمكانية تصعيد الإعدامات السعودية للمحبوسين العراقيين، في محاولة على ما يبدو لابتزاز بغداد، ومنعها من تنفيذ أيّ أحكام إعدام إضافية بحق السعوديين. وتفيد المعلومات بمفاوضات يجريها ثامر السبهان لحمل حكومة العراق على التراجع عن أحكام الإعدام، كذلك تفيد المعلومات بأن بعض الأطراف السياسية وعدت سفير المملكة بممارسة ضغوط على الحكومة للغرض نفسه.
لا يزال على قائمة انتظار الإعدام العراقية أحد عشر سعودياً هم محمود الشنقيطي، فهد العنزي، بدر الشمري، ماجد البقمي، فيصل الفرج، بتال الحربي، علي الشهري، علي القحطاني، حمد اليحيى، عبد الرحمن القحطاني. سبعة من هؤلاء تمت المصادقة على تنفيذ العقوبة بحقهم، خلال الفترة المقبلة، وفق ما تؤكد قناة "العربية" السعودية، غير أن تصاعد ضغوط الرياض على بغداد قد يدفع الأخيرة إلى إرجاء التنفيذ أو حتى إعادة النظر فيه. بخلاف ذينك الخيارين، يبقى خيار ثالث هو الأكثر ترجيحاً، ولعله التفسير الأقرب إلى السياق الوقائعي لتوقيت إعدام القحطاني، ألا وهو إمساك العصا من وسطها عن طريق اتخاذ خطوات متعاكسة يمكن أن ترضي الأطراف جميعهم. أما الدخول في صفقة شاملة تضع التبادل على سكة التنفيذ وتفتح كوة للمحكومين بالإعدام فلا يبدو إلا سيناريو مستبعداً، بالنظر إلى محافظة السعوديين على ثوابتهم حيال العراق، وتعاظم حنق العراقيين على الاستراتيجية المتّبعة إزاءهم.