لخص الرئیس الروسي، فلادیمیر بوتین، الحراك السیاسي والعسكري والأمني الأميركي – الغربي، بوصفه “إحیاء الناتو”، والذي یعتبره هو وغیره في دول “بریكس” تهدیداً للأمن العالمي من خلال محاولات فرض واقع جدید تحت مسمیات متعددة، منها: الأزمة الاوكرانیة، الحرب ضد داعش ومواجهة التمدد الصیني في الشرق.
والحقیقة أننا بعد قمة “الناتو” في “ویلز” والتي انطلقت في 4 سبتمبر/أيلول الجاري واستمرت 4 أيام، واجتماع “عرب الناتو” في جدة یوم أمس، الخمیس 11 سبتمبر/أيلول، والذي شاركت فيه الشقيقات الخليجيات الست بالإضافة إلی الأردن ومصر والعراق ولبنان إضافة إلی أميركا وتركيا، دخلنا حقبة جدیدة لا تبشر بخیر، بل سیكون الصراع الأمني والعسكري طابعها العام، بین روسیا وأميركا، وبین بریكس – شانغهاي من جهة والناتو من جهة أخرى، وبین محور المقاومة ومحور الاعتدال الذي یمكن تسمیته الیوم بـ”عرب الناتو”.
ومصدر المشكلة في منطقتنا، یكمن في أمرین: الأول، إصرار أميركي بالتمدد في مواقع تعتبر مجال نفوذ تاریخي لقوی أخری وبالتحدید (العراق، سوریا، بلدان آسیا الوسطی والقوقاز)، والثاني، تقاتل بعض الأنظمة العربية والمسلمة علی التبعیة والتسابق لتنفیذ الإرادة الأميركیة لاستحصال شئ واحد لا غیر وهو البقاء في كرسي الحكم، وإلاّ فإننا قد نجد دولاً تشارك في أحلاف وتنفذ سیاسات قوی كبری من أجل مصالح أمنیة واقتصادیة وتقنیة لبلدانها ومواطنيها، كما هو الحال مع تایوان وكوریا الجنوبیة (والشمالیة فیما یتعلق بروسیا والصین ) وكوبا وتركیا.. أما أن تدفع دولاً ثمناً علی عبودیتها واستأجارها، فهذا الفخر لا یناله إلاّ اعراب الخلیج الفارسي.. الذین یدفعون السهم ما إن یشیر علیهم السید الأميركي، بل یتقاتلون فیما بینهم لینالوا ” فخر العمالة”!!
لذلك، المشكلة لیست “داعش” والتي تقول الـ”سي آي إيه” أنها تملك ما بين 20 إلی 31 ألف مقاتل في العراق وسوريا، لأنها بالأساس صنیعة أميركا – السعودیة، بل هي نتاج للجشع الرأسمالي – الإمبریالي عند الأولی (وأرجو أن لا یصفنا مثقفو البترودولار والخجولين من ولادتهم في الشرق الإسلامي، باستخدام لغة خشبیة من أدبیات الحرب الباردة لأنهم إما لایدركون حقيقة عودة الحرب الباردة وبشكل أشد ضراوة لأن الأميركي يشعر أنه هو الذي يختار هذه المرة مواطن النزال مع الروس وسوف ينتصر ويفكك روسيا الاتحادية كما فكك الاتحاد السوفيتي قبل أقل من ربع قرن، أو أنهم (الذين تفوح رائحة الدولار النفطي من كتاباتهم وتحليلاتهم!) مسوق بضاعة بدویة مخزونة في الصحراء تجد فيها جهاد النكاح وقطع الأعناق وطبخ الرؤوس وبول الأبل وفتاوى الطماطم والخيار والموز والانبهار بـ”مهند ونور” و”ستار أكاديمي” و”عائلة الحاج متولي” و”القاصرات”!
وأیضاً بسبب هلع وخوف الثانیة (السعودية) من الخلع، هذا الهاجس الذي جعلها تتمادی مع المشروع الصهیوأميركي، بل تتحول إلی جزء أساسي منه.. تموله بالنفط والفتوى.
نعم المشكلة في هذین النظامین.. لذلك من العبث الجلوس إلی جانبهم للبحث عن حلّ لمشاكل المنطقة.. لأنهم باختصار شديد أساس المشكلة.. فمن هي القوی والجماعات التي ترید السعودية تدريبها للحرب في سوریا ولماذا الدخول الرسمي علی هذا الخط.. وهل تركت السعودیة باباً إرهابیاً وسیاسیاً وأمنیاً ودبلوماسیاً لم تطرقه ضد سوریا؟!
وبأموال وسلاح ودعم وفتاوى من یقاتل “داعش” وإخوته في سوریا والعراق ويفتك بالأنسان والحجر…؟! ألیست هي أموال ودعم السعودیة وأخواتها الخلیجیات.. وماذا الذي كانت تفعله معسكرات التدریب في تركيا والأردن لكي تزید علیه معسكرات تبوك وعرعر وغیرهما في السعودية؟!
إنها كذبة الحرب علی “داعش” التي یریدون له أن يخرج من غرب العراق الذي سيسلم إلی أخوة “داعش” من بعثییین وقبلیین وهیئات مسلمین وقيادات في جيش صدام حسين! لتحجیم “داعش” وتوجیهه وجعله علی مقاس سوریا فقط.. أو لربما یریدون بهذه الحرب تفریقه علی بلدان أخری لكي یتسنی لهم التدخل فیها تحت مسمی “محاربة داعش” كما فعل جورج بوش الإبن فیما یتعلق بسیاسته في الحرب ضد إرهاب “القاعدة” والتي أیضاً كانت من نتاج أميركا – السعودیة!
وما أرجوه، أولاً وقبل كل شئ، هو موقف “شدید” من إیران وروسیا والصین وجمیع دول “شانغهاي” و”بریكس” تجاه أي دولة ونظام یتعاون في المنطقة مع الناتو والمشروع الأميركي.. والثاني، محاصرة المشروع الأميركي في جمیع مناطق العالم وعدم الاكتفاء برد الفعل إزاءه، بل الأخذ بزمام المبادرة في ضربه من خواصره الرخوة، ما دامت روسیا والصین تملكان “أطنان” من بطاقات “الفیتو” المكدسة في أدراج عاصمتي البلدین!!
* علاء الرضائي
المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها