إبراهيم الأمين – الأخبار
المواجهة القائمة اليوم بين إيران والسعودية حول مستقبل المنطقة ليست من النوع القابل لعلاج حقيقي وسريع، بل ستستمر، ولو بطرق مختلفة وفي ساحات مختلفة، إلى أن تفرز الوقائع الميدانية نتائجها السياسية بصورة كاملة وحاسمة، أو أن يبادر أحد الطرفين إلى تغيير جذري في استراتيجيته. ببساطة، واستناداً إلى الوقائع القائمة على الأرض، يصعب توقع تغييرات جوهرية في استراتيجية كل من الطرفين، ما يعني أن على الجميع انتظار المجريات على الأرض.
قبل عقد من الزمن، اختار السعوديون ساحات للمنازلة، من العراق إلى لبنان وفلسطين. وأضافوا، بعد اندلاع الأزمات في العالم العربي، ساحات جديدة مثل سوريا والبحرين واليمن. وكان السعوديون، بدعم أميركي كبير، يتوقعون تحقيق نتائج كبيرة، من شأنها محاصرة النفوذ الإيراني في الخليج أو بلاد الشام، ومنع توسع نفوذها في جنوب الجزيرة العربية. وقد تورط السعوديون بقوة في مناطق عدة من دون الأخذ في الاعتبار أي عنصر واقعي، كما فعلوا ويفعلون في البحرين وسوريا، وكما حاولوا فعله في اليمن والعراق.
مشكلة السعودية، هنا، لا تتصل فقط بالحقد والعمى السياسي، بل في عدم فهم حقيقة أن الولايات المتحدة خسرت مشروعها في العراق، وها هي تخسر بسرعة مشروعها الآخر في أفغانستان، وإن كل محاولات التعويض من خلال دعم إرهاب في هذه المنطقة أو تلك، لن يعيد لها أي نفوذ جدي. حتى ما يجري اليوم في العراق، لن يعيد النفوذ الأميركي إلى ما كان عليه بعد غزوه. ولما شعر السعوديون بأنه بات عليهم المبادرة مباشرة، قرروا القيام بالدور الذي كانت الولايات المتحدة تقوم به. تصرفت الرياض وكأنها واشنطن، وبادرت إلى أنشطة في سياق مطابق لما قامت به الولايات المتحدة. وهو ما قاد حكّام مملكة القهر إلى مسلسل من الخسائر والهزائم، ليس أمام خصومها فحسب، بل أمام قوى يفترض أنها تقف معها في وجه إيران ومحورها. وهذا ما حصل عندما اضطرت السعودية إلى خوض معركة لضبط الحركة القطرية والتركية في أكثر من منطقة في العالم الإسلامي، وهي لم تفلح في تحقيق نتائج تذكر. كذلك، إن القوى التي تعتمد عليها في البحرين ولبنان واليمن وفلسطين والعراق وسوريا بدت ضعيفة وهشة وغير قادرة على مساعدة نفسها، فكيف يمكنها تحقيق ما تأمله السعودية منها.
السعوديون يعيشون اليوم رعباً من تنامي قدرات القوى الآتية من رحم تنظيم «القاعدة». وهي تخشى، بقوة، من أن يبادر تنظيم «داعش» إلى خطوات عملية داخل السعودية تؤدي إلى حالات تمرد غير مسبوقة على حكم آل سعود، وهو تمرد سيرفع شعارات هي الشعارات الحقيقية لمذهب آل سعود. وهي ستستند إلى واقع اجتماعي قبلي وديني وسياسي له جذوره داخل المملكة، ولا سيما بين الدعاة وأهالي مناطق الشمال. وكل ما تقوم به الحكومة السعودية اليوم، لا يعدو كونه محاولات في الهواء، لن تنتج أمراً جوهرياً.
في العراق، تولت السعودية ومعها دولة الإمارات العربية ودول أخرى مثل العراق وتركيا توفير كل أشكال الدعم لمعارضي الحكومة التي قامت بعد احتلال العراق، وكانت أقرب إلى الخط الإيراني. وهي وفرت كل المناخات لنشوب حرب مذهبية وتعبئة على خلفية الصراع السني ــــ الشيعي، لكنها كانت تتوهم أنها قادرة على ضبط هؤلاء، ومنع خروجهم عن الإطار والأهداف المرسومة لهم. إلى أن حصل ما حصل خلال العام الماضي، حين أُبعدت كل الشخصيات التي تربطها صلة بالحكم السعودي، وحين ثبتت القوى المتطرفة نفوذها في أكثر من مكان. وكانت الذروة في نجاح «داعش» إعلان النفوذ والسيطرة على ثلث العراق من دون الحاجة إلى دعم من السعودية أو غيرها من دول الجوار. حتى إن خصوم داعش يقرّون اليوم بأن ما حصل عليه التنظيم من دعم تركي أو قطري لا يتجاوز بعض التسهيلات التي كان في الإمكان الاستغناء عنها لو أراد التنظيم ذلك.
المهم، أن السعودية، اليوم، تراهن على عودة الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى الاهتمام بما يجري في منطقتنا والتورط المباشر في أعمال عسكرية عدائية في العراق وسوريا واليمن. ويتصرف السعوديون، على أنهم نجحوا في استدراج العالم كله إلى العمل وفق برنامجهم وخدمة لأهدافهم، وهم ينتظرون أن تحقق عمليات الغرب تقليصاً لنفوذ المتطرفين، وأن يترافق ذلك مع إنهاء الحكمين في سوريا والعراق. وأن يسهل على جماعتها تثبيت مواقعهم في اليمن والبحرين.
لكن، فجأة، حصل ما حصل في اليمن. وحتى اللحظة يمكن الجزم بأن الرياض تتصرف بيأس حقيقي. لا يمكنها الادعاء بقدرتها على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في هذا البلد. كذلك فإنها لا تدرك أن ما تحقق في اليمن من متغيرات، الشهر الماضي، سيترك آثاره المباشرة والعميقة على كل الأوضاع في الخليج العربي. وقد يكون من المفيد نصح هؤلاء بأن عليهم ترقب تداعيات على وحدة مؤسسة مجلس التعاون الخليجي قبل أي شيء آخر.