السعودية/ نبأ- قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الأحد، إن السلطات السعودية تصعد من حملتها على من ينتقدون الحكومة سلميا عبر شبكة الإنترنت. وعلى الحكومة إنهاء الحملة، وأن تكون على قدر التزاماتها بشأن احترام حرية التعبير.
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2014، تمت إدانة 3 محامين بارزين بتهمة انتقاد وزارة العدل، وصدرت بحقهم أحكام بالحبس تتراوح بين 5 سنوات، و8 سنوات. كما احتجزت الشرطة ناشطة ليبرالية مُدافعة عن حقوق المرأة جراء تغريدات لها على موقع تويتر يُزعم أنها انتقدت مسؤولين دينيين رسميين، ودافعت عن حق المرأة السعودية في قيادة السيارات.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "تظهر هذه المُلاحقات القضائية الحد الذي وصلت إليه حساسية السلطات السعودية تجاه قدرة المواطنين العاديين على التعبير عن آرائهم عبر شبكة الإنترنت، والتي تعتبرها الحكومة مثيرة للجدل أو من المُحرمات. ومن الأفضل أن ينشغل المسؤولون السعوديون بإجراء الإصلاحات المُلحة، بدلاً من مُلاحقة مُنتقديهم على شبكة الإنترنت".
ويستند وكلاء النيابة والقضاة إلى بنود مُبهمة من قانون مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر عام 2007، في توجيه الاتهامات ومُحاكمة المواطنين السعوديين بسبب تغريداتهم وتعليقاتهم السلمية على مواقع التواصل الاجتماعي. وتجرم المادة 6 "إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، والقيم الدينية، والأداب العامة، وحرمة الحياة الخاصة، أوإعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية"، ويفرض القضاة عقوبات تصل إلى الحبس لمدة 5 سنوات، وغرامة تصل إلى 3 مليون ريال سعودي (800 ألف دولار أمريكي).
قالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الوزراء السعودي أن يقوم بتعديل القانون على وجه السرعة حتى يتسنى له تعديل أو حذف البنود المُبهمة التي تُمكن مسؤولي العدالة الجنائية من تكبيل حرية التعبير على شبكة الإنترنت على نحو غير صحيح.
وبحسب وثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، استند وكلاء النيابة في قضيتهم بُرمتها ضد المحامين الثلاثة –عبد الرحمن الصبيحي، وبندر النقيثان، وعبد الرحمن الرميح- استندوا إلى تغريدات اعتبرها المسؤولون مساساً بوزارة العدل. ولقد اهتمت السلطات،على نحو خاص، بالتعليقات على طريقة معاملة القاضي محمد عبد الكريم؛ الذي واجه جلسة استماع تأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء في 2013، بعد أن انتقد وزارة العدل على موقع تويتر، بحسب مزاعم.
ومن بين اتهامات أخرى، جاء في لائحة الاتهام ضد المحامين قيامهم بـ "النيل من نظام الشريعة القضائي، واستقلاليته، وتقويض سلطاته عبر التدخل في الإجراءات [التأديبية] الخاصة بالقاضي محمد عبد الكريم".
ويواجه الصبيحي اتهاما إضافيا بـ "التدخل في السياسة العامة للدولة التي هي من اختصاص الملك، من خلال انتقاده لتوجيهات الملك بدفع خمسة مليارات دولارلدولة مصر". وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2014، أدانته المحكمة وحكمت عليه بالحبس لمدة 8 سنوات، وفرضت عليه حظراً من مُغادرة المملكة العربية السعودية لمدة 10 سنوات، ومنعته من الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائل الإعلام. وأصدر القاضي أحكاماً على كل من النقيثان والرميح بالحبس لمدة 7 سنوات، وحظر سفرهما إلى الخارج لمدة 7 سنوات، وفرض حظر شامل على الكتابة في وسائل الإعلام العادية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقد راجعت هيومن رايتس ووتش التغريدات التي تم اقتباسها كدليل ضد المحامين الثلاثة، ولم تجد أي واحدة منها تحض على العنف. وجاء في إحداها: "أداء [وزارة العدل] كارثي، مغلف بالكذب والتدليس الإعلامي غير مسبوق بتاريخ الوزارات السعودية". وجاء في الأخرى: "… المشكلة أن المملكة تعيش في عام 2013 إلا قضاؤها الذي يعيش في ظلام العصور الوسطى .. في إجراءاته وإدارته"، وتعلق التغريدة الثالثة: "… خمسة مليارات دولار لمصر في الوقت نفسه سعودية تنظف دورات المياه".
خرج المحامون الثلاثة على ذمة القضية في انتظار ما يتمخض عنه الاستئناف. وكانت اللجنة القانونية التابعة لوزارة الثقافة والإعلام، والتي يخولها القانون بالولاية على مُحتوى شبكة الإنترنت، كانت قد فرضت غرامة على المحامين الثلاثة، قدرها مليون ريال (266,666 دولاراً أمريكياً) على كل واحد منهم في يونيو/حزيران 2014، بعد أن تقدمت وزارة العدل بشكوى ضد العديد من نفس نوعية هذه التغريدات.
وكانت السلطات السعودية قد عاقبت محامين آخرين في عام 2014، جراء نشاطهم على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن بينهم وليد أبو الخير، الذي صدر بحقه حكم بالحبس لمدة 15 عاماً في يوليو/تموز، فقط جراء انتقاداته السلمية لانتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها السعودية في مقابلات إعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وكان أبو الخير قد دافع عن عدد من الموكلين في المحاكم، إلا أن وزارة العدل دأبت على رفض اعتماده بصفته مُحامياً.
كما استهدف مسؤولون سعوديون نشطاء لأسباب مُماثلة. ففي 28 أكتوبر/تشرين الأول تم القبض على سعاد الشمري، وهي ناشطة ليبرالية، وذلك في أثناء حضورها تحقيقاً بهيئة التحقيق والادعاء العام في مدينة جدة. وكان ناشط سعودي على دراية بالقضية قد أخبر هيومن رايتس ووتش أنها تواجه اتهامات بـ "إهانة الرسول والأحاديث النبوية"، وهي اتهامات ذات صلة بتغريدات نشرتها على موقع تويتر عام 2013، يُزعم أنها تنتقد السلطات الدينية وتدعو للسماح للسيدات السعوديات بقيادة السيارات. ويتم احتجاز الشمري في سجن بريمان بمدينة جدة.
وقد ساهمت الشمري في تأسيس أحد منتديات النقاش الليبرالية على شبكة الإنترنت مع الناشط الليبرالي البارز رائف بدوي، في عام 2008 من أجل تشجيع الحوار حول الأمور الدينية والسياسية في المملكة العربية السعودية. ألقت السلطات القبض على بدوي في 2012، وبعد عدة مُحاكمات وطعون، أدانته محكمة جدة في عام 2014، وحكمت عليه بالحبس لمدة 10 سنوات، وألف جلدة.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قامت محكمة الخُبر الجزائية بإدانة ناشط بارز آخر في مجال حقوق الإنسان، هو مخلف الشمري، وأصدرت بحقه حُكماً بالحبس لمدة عامين، وكان أحد أسباب الإدانة قيامه بزيارة رموز شيعية بارزة في المنطقة الشرقية كبادرة حُسن نية، في بلد تهيمن عليه أغلبية سُنية. وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أدانته من قبل في 2013، في مُحاكمة مُنفصلة حول اتهامات بـ "إنشاء الفتنة"، وانتقاد المسؤولين السعوديين في كتاباته على شبكة الإنترنت، وصدر بحقه حكم بالحبس لمدة 5 سنوات، ومنعه من السفر إلى الخارج لمدة 10 سنوات.
قالت سارة ليا ويتسن: "تقوم السلطات السعودية بتخويف وحبس وإسكات النشطاء ضمن حملتها الشاملة على الانتقادات السلمية. ولكن السلطات تقترف خطأً فادحاً إن هي ظنت أن بمقدورها منع المواطنين السعوديين إلى الأبد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام في الضغط من أجل تحقيق إصلاحات إيجابية".