في هذه اللحظات وانا اكتب هذه السطور يقترب عدد الشهداء الذين يسقطون كل لحظة في غزة جراء القصف الصهيوني الوحشي من 200 شهيد ، جلهم من الاطفال والنساء ، بينما العرب والمسلمون منشغلون بمتابعة مونديال البرازيل.
ألم تجاهل المذابح التي يتعرض لها اهالي غزة ، كان سيهون عند هذا الحد ، لكل هذا الالم يتضاعف عندما نرى الامة شطبت من وجدانها قضية فلسطين ، بل ان الكثير من الامة يرى في حماس شر لابد من القضاء عليه ، وهناك من يشمت باهل غزة ، وهناك من يسخر حتى بشهدائهم الذين يسقطون على يد العصابات الصهيونية!!.
ترى لماذا فقد العرب والمسلمون حاسة الشعور بالكرامة والشرف والكبرياء والنخوة ، وغرقوا في بحر من العجز والضعف والتشتت والذلة والخنوع والابتذال؟.
ومن اجل الا نطيل في تقصي الاسباب وهي كثيرة ، الا اننا سنكتفي بسبب واحد يستحوذ على حصة الاسد في شيوع هذه الحال ، والا وهو الوهابية ، ذلك السم الذي دخل الى جسدنا ونال من قوانا وجعلنا اشبه بالجثة الهامدة لا روح فيها ولا حياة.
ان عوارض مرض الوهابية استفحل كثيرا بعد ما عُرف بالربيع العربي ، حيث قلبت الوهابية صورة المشهد العربي راسا على عقب ، فحولت الربيع الى شتاء، وتراجعت مفاهيم التحرر والانطلاق والمساواة و التقدم والكرامة الانسانية وحرية التعبير والديمقراطية والتعددية والشفافية والانتخابات وحكم الاغلبية ، وتقدمت مفاهيم الطائفية والتكفير و الشيعة والسنة والروافض والنصيرية والكفار والمشركين والمرتدين والغزوات والامارات والامراء والذبح والنحر والصلب وقطع الرؤوس ، وكأن الامة عادت الف عام الى الوراء خلال بضع سنين.
المفاهيم الظلامية التي تجتاح الامة اليوم ، خرجت من كتب الكراهية والحقد الوهابي على امة محمد (ص) ، وجعلت المسلمين طرائق قددا ، وتمكنت هذه المفاهيم من الكثير من الناس بسبب قوة المال السعودي والاعلام السعودي الذي ينخر ليل نهار في عقول الشباب ، فحول هؤلاء الشباب الى وحوش كاسرة تأكل بعضها بعضا.
الوهابية التي لا يوجد في قاموسها شيء اسمه تحرر او كرامة انسانية ، لم تشعر ازاء القضية الفلسطينية منذ ظهورها في جزيرة العرب وحتى اليوم باي مسؤولية او حتى تعاطف ، بل ترى في الاهتمام بهذه القضية خطيئة كبرى ، لانها ستصرف اهتمام المسلم عن مخاطر "الروافض" على الامة!!.
لهذا ناصبت الوهابية العداء لكل دولة او حركة او تنظيم يدافع عن فلسطين والقضية الفلسطينية ، لذلك فهي تكره حماس والجهاد الاسلامي وجميع الفصائل المقاومة في فلسطين وحزب الله في لبنان والنظام السوري وقبل ذلك نظام جمال عبد الناصر ، اما عداءها وحقدها على الجمهورية الاسلامية فحدث ولاحرج فالجمهورية الاسلامية في ايران تحمل خطيئتين من وجهة نظر الوهابية ، الاولى انها "رافضية" !! وهذا سبب كاف للحقد عليها ، والثانية ان القضية الفلسطينية تحتل مكانة في غاية الاهمية في السياسة الداخلية والخارجية لايران ، وعلى العكس تماما كانت الوهابية حليف وحليف قوى لكل الانظمة الرجعية والدكتاتورية والجهات التي كانت تقف مواقف خيانية من القضية الفلسطينية وطعنت الفلسطينيين اكثر من مرة في الظهر ، ولا نريد ان نذكر هذه الانظمة او الجهات ، لاننا نعتقد انها معروفة للقارى الكريم.
للاسف هذا الحقد الوهابي لم يقف فقط عند التنظير والفتاوى الوهابية السخيفة ، بل تعداها الى مساعدة كل التنظيمات والزمر الارهابية والتكفيرية في العالمين العربي والاسلامي ، بهدف ضرب كل توجه قومي واسلامي في المجتمعات العربية والاسلامية ، يضع القضية الفلسطينية هدفا له ، عبر اثارة النعرات والفتن الطائفية الكريهة وجعلها الشغل الشاغل للمسلمين ، وابعادهم قدر الامكان عن القضية الفلسطينية.
للاسف الشديد نقولها وبصراحة ان الوهابية نجحت في جعل الصهيونية تستفرد بفلسطين وتستفرد بالشعب الفلسطيني لاسيما اهالي غزة ، كما نشاهد اليوم ، فبدلا من ان يهب العرب والمسلمون هبة رجل واحد للدفاع عن اقدس مقدسات المسلمين في فلسطين ، نرى العرب والمسلمين ينخرطون في زمر ارهابية تعيث في ارض العرب والمسلمين فسادا وهدفها الاول والاخير هو اشعال حروب طائفية لاتنتهي ، كما نشاهد اليوم عصابات "داعش" الوهابية وهي تهدد بدخول بغداد وكربلاء والنجف لذبح ملايين الشيعة واغراق العراق ببحور من الدماء بينما الصهيونية تهدم بيوت غزة على اهلها الامنين.
الحقيقة لم يكن صدفة ان تتزامن ظهور الصهيونية والوهابية في ارض العرب ، فالجهة التي جاءت بالصهيونية هي ذاتها التي جاءت بالوهابية ، لانها تعرف لا يمكن للصهيونية ان تبقى في ارض العرب المسلمين ، بينما العرب المسلمون موحدون ، لذلك ومن اجل ان تستمرالصهيونية في البقاء ، كان لابد من ايجاد السم الذي يفتت الجسد الاسلامي ويجعل منه جثة هامدة لا حول لها ولاقوة ، كما نرى اليوم بام اعيننا ، حيث تذبح الصهيونية اهلها في غزة ، بينما الوهابية تُشعل شبكة التواصل الاجتماعي بقضايا طائفية تنضح سما زعافا كحرمة الاكل مع "الروافض"!!.
*جمال كامل- شفقنا