الإمارات / نبأ – منعت السلطات الإماراتية دخول الكاتب الصحافي نادر المتروك إلى أراضيها يوم أمس الثلثاء، ٢٣ سبتمبر، حيث أوقفته مدة ٩ ساعات وحققت معه حول عمله ونشاطه. وقال المتروك بأن سلطات الإمارات لم تكشف عن أسباب منعه، واكتفت بالقول بأنّ هناك “أسبابا أمنية”.
وبحسب رسالة صادرة من وزارة الداخلية، فإن المتروك ممنوع من الدخول إلى أراضي دولة الإمارات “لأسباب أمنية”، وتعد هذه الرسالة وثيقة تؤكد العمل الأمني المشترك بين البحرين والإمارات، لاسيما وأن المنع ليس له علاقة بكتابات أو نشاطات خاصة بالإمارات.
وأوضح المتروك ل”البحرين اليوم” بأن هناك ضغوطا لإجباره على أن يستقل طائرة عودة إلى البحرين، مشيرا إلى وجود أمنيين يُرجّح أنهم من البحرين كانوا حاضرين لهذا الغرض.
وبعد ممانعة ومشادات داخل المطار، رضخت السلطات الإماراتية بإرجاع المتروك إلى بيروت.
وتفتح هذه الحادثة قضية القوائم الأمنية بين دول الخليج، حيث منعت سلطات دبي في وقت سابق الكاتب والناشط الحقوقي أحمد رضي من دخول دبي وأرجعته إلى البحرين.
المتروك يروي القصة: ممنوع لأسباب أمنية – نادر المتروك
* المكان: مطار دبيّ الدّولي.
* اليوم: الثلثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤م
* المهمّة: “مناورة” لعودة آمنة نحو الوطن.
الساعة ١١ والنصف، نهاراً. نزولٌ اعتيادي من طائرة “الميدل إيست”القادمة من بيروت. الأرجلُ تتحرّك بسرعةٍ نحو بوابة الدّخول. اللافتة من بعيدٍ تفتحُ ذراعها: “مواطنو دول مجلس التّعاون الخليجي”. في المسار، لم يكن أحد سواي. بدايةٌ سارّة. لم أتردّد في اختيار الكبينة التي تعملُ فيها إماراتيّة سمراء، تُشبه سحنة بلادي الجميلة.
فتحتِ الجوازَ. نظرتْ إلى جهاز الحاسوب المغروسِ أمامها. رمشتْ بعينها اليمنى بسرعةٍ، وزّمت شفتيها بسرعةٍ أكثر.
– “لو سمحت، راجعْ المكتب رقم ١”.
أخذتُ الجواز. كان عليه لاصق أصفر، مكتوب عليه اسم الموظفة: شيماء. توجهت للمكتب رقم ١. بجواره مكتب عليه لافتة مكتوب عليها: “الضابط المناوب – مطار دبي”.
في المكتب، استلم الجواز موظف مدنيّ. أقل من دقيقة، والجواز وأنا بينيدي الضابط.
– “أنت ممنوع من دخول دولة الإمارات!”
– “لماذا؟”
– “أنت في القائمة”.
– “أي قائمة؟”.
– “لا أدري، ولكنك ممنوع من الدخول لأسبابٍ أمنيّة”.
– “ما السبب؟”
– “عليك منع أمني من كبار المسؤولين”.
– “لم أفهم، كنتُ في دبي قبل أشهر، ومررتُ عليها بشكل عاديّ”.
– “لا أدري، إنها أوامر جديدة، ومن كبار المسؤولين!”
– “إفْ! كبار المسؤولين! أي مسؤولون، في البحرين أم دبي؟”
– “دبي طبعاً”
– “ولكن ليس لديّ شيء مع دبي! هل الأمر متعلق ببلادي؟”
– “لا أدري!”
– “وماذا أفعل الآن. أنا حجزتُ في فندق، ٣ أيام؟”
– “سوف تستلمك جهة أخرى من الأمن. يريدون التحقيق معك. انتظر هنا، وسيأتون”.
– “أمن دبي، أم غيرها؟”
– “انتظر. وسوف يأتون!”
كان يمكن للانتظار أن يكون وحشاً، لولا أُنس الكتاب. في السوق الحرّة ببيروت اشتريتُ كتابين. أحدهما بعنوان “احتلّوا” لنعوم شومسكي. الكتاب يروي سيرة الاحتجاج الشعبي في أمريكا، في العام ٢٠١١م، والذي نزل فيه المحتجون واحتلّوا الشوارع التجارية. الفصل الأخير من الكتاب تضمّن إرشادات قدّمتها لجنة المحامين الأمريكية حول ما يجب أن يفعله المرء حين توقفه الشّرطة، وحين يتعرّض للتحقيق والاعتقال.
أنهيتُ الكتاب (يقع في حدود ١٠٠ صفحة من الحجم الصغير). وسألتُ الضّابط الذي دخلَ فجأة بعد غيبة:
– “هل من جديد؟ لقد مرّت أكثر من ٤ ساعات وأنا أنتظر!”
– ردّ بُلطف “لا بأس، انتظر أيضاً، سيأتون بعد قليل”.
– “منْ؟”
– “الجهة المختصة بالتحقيق”.
وخرجَ مجددا.
خروجه كان فرصة لقراءة الكتاب الثاني. وعنوانه: “خصائص وصفات المجتمع الوهابي السعودي”. الفصل الذي شدّني من الكتاب هو الذي تناول ظواهر متفرقة من هذا المجتمع. وقد استمتعتُ، وأنا في قلق الانتظار، ظاهرة اختيار المفتين العميان في السعودية منذ أكثر من ٧٠ عاماً، وبحث الكتاب في هذهالظاهرة وما إذا كانت صدفة “أم حكمة سعودية”؟!
يكسر الانشداد الذهني نحو الكتاب؛ موظفٌ مدنيّ ينادي باسمي وبأسماء أربعة كانوا في المكتب:
– مغربيّة، تعمل مضيفة جويّة في جدّة، جاء لدبي لأجل السياحة، ولكن تمّ رفْض منحها تأشيرة، رغم أنها جاءت إلى دبي قبل شهرين، ولم يحدث شيء. كان أكثرنا جرأة، وجدالاً مع الموظفين والمحققين. وقالت لهم بأن ما فعلوه يُعد “عيباً”. ولكونها عملت في الضيافة الجوية، فقد استنكرت عليهم تصرفاتهم، والتي “لا تليق بقوانين الطيران”. هذه المقولة الأخيرة سوف أستفيد منها في إحدى المشاكسات التي سأواجه بها وحيداً ٣ مكاتب تحقيق، وممارسات استفزازية لم تنته إلى حين غلق باب طائرة العودة.
– شابّ عراقيّ، مفتول العضلات، جدّد جوازه ونسيَ أن يأتي بالجواز القديم الذي يحملُ ختم الإقامة. حاول مراراً، وقالوا بأنّ الحل الوحيد هو أن يأتي أحد من أهله في العراق بالجواز القديم إلى مطار دبي! كان هو الوحيد الذي نام مبكرا، ولم يعر انتباها ما يجري. وكان أكثرنا اقتراحاً للحلول من أجل معالجة مشكلته. ويبدو أنهم استجابوا لإحداها، حيث غادرنا بعد أول مكتب تحقيق.
– فرنسيّ ملوَّن. عُومل باستخاف من بعض المحققين. سُمِح لزوجته بالمرور وهو مُنع لأسباب غير واضحة. طلبَ أن يُسمح لزوجته بأن تعطيه مالاً لكي يُدبّر أمره، ولكنهم تجاهلوه، إلى أن ملّوا من إصراره، وأتوا له منها بدولارين! في مكتب التحقيق الثالث الذي أُرسلنا إليه (أنا وهو فقط) استخف به موظف إماراتي شاب، وذلك حينما احتجّ على إيداعه في غرفة معزولة مع آسيويين يبدو أنهم مخالفين، وقال له الشّاب مستهزئاً: “سأذهب بك إلى سجن أرضي”. حينما أراد هذا الشاب أن أدخل الغرفة المذكورة رفضتُ. وانصاع لي، ربما لأنّي خليجي!
– أفغاني ذو وجه هادئ. رُفض دخوله إلى دبي رغم أنه عمل فيها لأكثر من ١٠ سنوات، وطيلة السنوات هذه كان في دبي بدون جواز، وكان يستخدم أوراقا أخرى لم أفهم طبيعتها جيدا. وهذا العام استطاع أن يستخرج جوازا لأول مرّة خلال إجازة قضاها في بلده، ولكنه لم يُسمح له بالدخول مع جوازه الجديد. كا طيّباً، وفيه بساطة الفقراء غير المتملّقين.
أوّل مكتب تحقيق؛ دخله العراقي، ويبدو أن مشكلته حُلت. ولكن تعطّلت مشاكلنا نحن الأربعة، وكان محتوى التحقيق مختلفاً مع كلّ واحد منّا.
سألتني المغربيّة عن سبب منعي من دخول دبي، فقلتُ لها أن هناك أسباباً سياسيّة. فقالت بأنه من الجميل أنك تعرف سبب منعك، متسائلة عن السبب في منعها، فقلتُ لها ساخراً: “لأسباب جيو سياسيّة”.
بدأت الحكاية تأخذ جدّية أكثر معي مع المكتب الثاني.
– “أنت ممنوع من دخول الإمارات”.
– “لماذا؟”
– “منْع أمني صادر من جهات عليا”
– “الأسباب ما هي؟”
– “والله لا نعرف، أنت ماذا فعلت وماذا تعمل؟”
– “أنا لم أفعل شيئا. فقط أمارس الكتابة”.
– “لا أدري، ولكن هناك منع أمني، وسيأتي ضبّاط للتحقيق معك؟”
من خارج المكتب الزجاجي عدد من الأفراد. وجوههم ليست غريبة. يطلبُ مني المحقق أن أنتظر في الخارج. يدخلون. ثم يخرجون بسرعة، ويتواورن عن الأنظار.
يطلب مني المحقق الدخول.
– “سوف نُعيدك إلى البحرين، وهناك سيحققون معك”.
– “أنا كنت أنوي أن أعرّج على البحرين، ولكن بعد ما حصل من منعي دخول دبي، ومحاولة إجباري على دخول البحرين، فأنا أفضّل أن أعود من حيث أتيت”.
– “كل شخص يُمنع من دخول بلد يُرحّل إلى بلاده”.
– “أعتقد لابد أن يُخيّر الشخص، لا أن يُجبر على ذلك”.
– “سوف نحجز لك تذكرة عودة إلى البحرين”.
– “لا أريد العودة بهذه الطريقة”.
تحدث مشادة. الأصوات تعلو. التهذيب يتحوّل إلى وقاحات. أصرّ على العودة من حيث أتيت. يخرج المحقق. يُطيل في غيابه. ويعود بانفراجةٍ غير متوقعة.
– “اذهب برفقة الموظف واحجز لك تذكرة إلى بيروت بمالك”.
– “اعطني الجواز”.
– “خذ صورة منه، واحجز به”.
قطعت تذكرة عودة إلى بيروت، عند الساعة السابعة والنصف مساء بتوقيت دبي. وذهبت بها إلى المكتب. أخذوني إلى مكتب ثالث. حيث يُحتجز مخالفون في غرفة جماعية معزولة. رفضت الدخول فيها. وجلست في الممر الخارجي.
تأخروا. خشيت أن يفعوا شيئا، دخلت عليهم، وأخبرتهم أن موعد الطائرة اقترب (التاسعة إلا ربع)، وأنّ عليّ التحرّك. صمت الشاب الإماراتي وخرج. كنت وحيدا في المكتب. رأيت جوازي مع بعض الأوراق. مددت يدي إليها. ورأيت ورقة رسمية حول أسباب منعي. أخذتها بسرعة و”دعستها” في حقيبتي. وتسلّلت للخارج.
بعد ذلك، جاء الموظف المختص، وأخذنا إلى حيث يجب أن ندخل الطائرة.
رفض إعطائي جوازي. قلتُ لا بأس. ولكنهم ظلّوا محتفظين به إلى حين فتح باب الطائرة. فذهبت إليهم غاضبا وقلت لهم “إن المجرمين لا يُفعَل يهم هكذا”. فقال أحدهم بأن هذه قوانين الطيران، وأن الجواز لم يُعط لي إلا حين تُغلق أبواب الطائرة.
في الطائرة، وحين قدّم الموظف جوازي للقبطان، صرخت في وجهه “أنا كاتب، ولست مجرما، هذا لا يجوز”. قبطان الطائرة، كان لطيفا، وقال لي”اطمئن، اجلس وسوف آتيك به”.
وأقلعت الطائرة إلى بيروت.
(البحرين اليوم)