السعوديّة / نبأ – أعطى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، إشارة البدء في تنفيذ مشروع "محور قناة السويس" الجديد. وهو المشروع الذي يثير الجدل في مصر بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون يرون فيه مشروعا طموحا سيغير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وسيعزز مكانة مصر اقتصاديا عبر مضاعفة دخل قناة السويس ثلاث مرات على الأقل ويوفر أكثر من مليون فرصة عمل. بينما يطرح المعارضون والمشككون في جدوى المشروع العديد من الأسئلة حول دور الجيش في الاقتصاد وحول شفافية مصادر التمويل والمستفيدين الحقيقيين من وراء هكذا مشاريع عملاقة.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن ولما العجلة؟
السبب المعلن هو محاولة الخروج بمصر من الوضع الاقتصادي المتردي الذي عقب ثورة يناير 2011 وتدهور احتياطي البلاد من العملات الأجنبية بعد صرف أكثر من 20 مليار دولار على الاحتياجات الشعبية.
بيد أن آخرين يرون أن السبب الرئيسي هو قطع الطريق على دولة إسرائيل المجاورة من تنفيذ مشروع قناة إيلات – أسدود البديل لقناة السويس.
حمدي برغوت، خبير النقل الدولي المصري، قال لوكالة الأناضول إن المشروع سيعمل على اجتذاب حركة التجارة العالمية إلى القناة وهو ما سيمثل ضربة للمشروع الإسرائيلي. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت في فبراير 2012 على مشروع يستهدف شق طريق بديل لقناة السويس، عبر مد خط مزدوج للسكك الحديدية إلى إيلات لنقل المسافرين والبضائع.
ويضيف برغوت أن المشروع يمثل ضرورة ملحة لمواجهة مشاريع الممرات الملاحية المنافسة، وأيضا لزيادة الطاقة الاستيعابية وحركة النقل البحري المارة عبر قناة السويس، وكذلك تقليل التكلفة الاقتصادية للرحلات البحرية، بتخفيض ساعات الانتظار.
وتعبر حاليا أكثر من 18 ألف سفينة سنويا قناة السويس الحالية، والهدف من المشروع الجديد زيادة عدد السفن العابرة بنسبة 50 بالمئة وكذلك مضاعفة الدخل بنسبة 259 بالمئة. وتبلغ الإيرادات الحالية للقناة نحو 4,86 مليار دولار سنويا.
بالنسبة لكلفة المشروع فإنها تصل إلى حوالى 8 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير جدا يتطلب عددا كبيرا من الممولين، فكيف ستحصل الحكومة المصرية على التمويل على الرغم من أن المشروع غير مدرج على ميزانية الدولة لهذا العام؟ الرئيس المصري شدد على أن يكون التمويل مصريا مئة بالمئة لذلك فإن اكتتابا شعبيا سيعلن عنه قريبا، وستطرح أسهم في القناة الجديدة للمصريين قيمة السهم 100 جنيه (10 يورو) للمصريين بالداخل، و100 دولار للمصريين في الخارج، وسهم ثالث لطلبة الجامعات بعشرة جنيهات فقط (1 يورو). كما يمكن للبنوك والشركات المصرية أن تشتري بدورها تلك الأسهم ولن يكون مسموحا للأجانب بشرائها.
بيد أن الكثيرين يشككون في قدرة هذا الاكتتاب على جمع المبالغ المطلوبة. يتساءل عمرو عادلي، الباحث الاقتصادي بمعهد كارنيجي، على موقع مدى مصر "كيف سيتم توفير هذه المليارات؟ هناك إصرار على مقولة أن هذه القناة سيتم حفرها بأموال وسواعد المصريين، إذن فلن نلجأ للتمويل العربي أو الأجنبي. فهل معنى هذا أن الجيش سيستمر بشكل مباشر في المشروع؟"
ويستدرك عادلي: "لا نملك معلومات عن حجم الاحتياطات الدولارية التي يمتلكها الجيش، ولكن هناك بعض التقديرات غير المؤكدة تقول إنها ١٢ مليار دولار، فهل سيستثمر منها بشكل مباشر مع خطورة هذا الطرح؟" .يضيف عادلي: "لن نتحدث هنا
عن المشروع الأكبر وهو محور تنمية قناة السويس، لأننا لا نعلم عن تفاصيله أي شيء، وأغلب الظن أن المشروع الأقرب للإنجاز هو الخاص بالممر الملاحي لقناة السويس" .
من جهة أخرى، فإن دور الجيش في المشروع يثير جدلا من نوع آخر حول العودة لتعظيم دور الدولة في الاقتصاد من جديد، باعتبار أن الجيش هو الدولة الآن في مصر، وحول سيطرة الجيش كمؤسسة مستقلة على اقتصاد الدولة.
صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريرا في مارس الماضي أسمته "الجيش المصري يبسط سيطرته على اقتصاد الدولة" أشارت فيه إلى طموحات الجيش في المشاركة بمشروع القناة الجديدة، وألمحت إلى أن هذا المشروع كان جزءا من الصراع بين الجيش والرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي الذي كان يريد إسناد هذا المشروع لدولة قطر، الحليفة للإخوان لمسلمين.
يتمتع الجيش المصري بوضع متميز في اقتصاد البلاد، وميزانيته سرية، كما لا يوجد أي نوع من أنواع الرقابة الحكومية عليها، كما أن جميع مشاريعه معفاة من الضرائب. ويقدر خبراء اقتصاديون عديدون مساهمة الجيش في اقتصاد الدولة بنسبة تتراوح بين 5 بالمئة و60 بالمئة. بينما ينفي الجيش هذه الأرقام ويصر على أن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 1 بالمئة.
انعدام الشفافية في مثل هذه المشاريع الكبيرة التي يستحوذ عليها الجيش تثير المخاوف وتتناقض مع السياسة المعلنة للدولة والهادفة لجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة عندما نعلم أن الاتحاد الاقتصادي للشركات (كونسورتيوم)، الذي يضم الجيش، هو من فاز بعقد المشروع وهو ما ينفي صفة الحيادية في اختيار المنفذين ويثير مخاوف المستثمرين العرب والأجانب الذين لا يريدون أن يشاركهم الجيش في مشروعاتهم الخاصة.
كل ذلك يضع علامات استفهام حول سياسة الجيش والدولة للنهوض بالاقتصاد في مصر عبر اتباع سياسات غير اقتصادية بالمرة، وهو ما دفع خبيرا اقتصاديا أمريكيا، دانيال بايبس، أن يسدي السيسي النصح قائلا "الاقتصاد المصري يستطيع فقط أن ينهض إذا امتلك السيسي الشجاعة لكي يخبر زملاءه أن القوات المسلحة عليها أن تترك ''المكرونة'' والأنشطة الاقتصادية الأخرى بحيث يستطيع المصريون بناء اقتصادهم الخاص".
(حسين عمارة – فرانس 24)