السعودية / نبأ (وكالات) – يقول محللون وبعض المسؤولين إن المساعي الرامية للتوصل لوقف لإطلاق النار في غزة قد تتعثر بسبب الصراع على النفوذ الإقليمي بين الدول العربية والحكومات المويدة للإسلاميين إذ تتنافس هذه القوى على لعب الدور الرئيسي في الوصول للهدنة.
ومصر وهي قوة رئيسية ذات ثقل بالمنطقة وقطر الدولة الخليجية الصغيرة هما طرفا المواجهة الإقليمية المتعلقة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة وجماعة الإخوان المسلمين المرتبطة بها أيديولوجيا.
يقول كل طرف إن الآخر تدفعه رغبة في تحقيق نفوذ دبلوماسي وسحق الخصوم السياسيين من خلال هدف إنساني وهو حماية أرواح الفلسطينيين من العدو الإسرائيلي.
وقال المحلل غانم نسيبة الذي يقيم في بريطانيا "لقد تحولت غزة بشكل مفاجئ جدا في المسرح الذي يجري التعبير فيه عن هذه المواءمات الجديدة في العالم العربي."
وأضاف "غزة هي أول اختبار لهذه التحالفات الجديدة وأثر ذلك على إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار هناك."
وكان يشير إلى قطر وتركيا والسودان وإيران وهي الدول الرئيسية في تجمع فضفاض من الدول التي تعتقد إن الإسلاميين يمثلون مستقبل السياسة في الشرق الأوسط.
ويتنافس هذا المعسكر بشكل علني آخذ في التزايد مع مجموعة من الدول الموالية للغرب بقيادة مصر والأردن والإمارات والسعودية ومعظمهما عازمة على سحق جماعة الإخوان ويعتبرونها تهديدا.
وهذا الانقسام واضح حاليا في الجهود الدبلوماسية بشأن غزة.
خطة وقف إطلاق النار
دعمت قطر حكومة الرئيس المصري السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي عزل من السلطة قبل عام عبر إنقلاب الجيش على حكمه. ومنذ ذلك الحين قدمت السعودية والإمارات أموالا لدعم الرجل الجديد عبد الفتاح السيسي الذي كان قائدا للجيش ووزيرا للدفاع وقت عزل مرسي وانتخب رئيسا بعد شن حملة على جماعة الإخوان وحظرها.
وفي ظل حكمه شددت مصر سيطرتها على الحدود الجنوبية لقطاع غزة وأغلقت الأنفاق في محاولة لمنع إمدادات الأسلحة.
ويشتبه مسؤولون مصريون في تشجيع قطر لحماس على رفض مبادرة وقف إطلاق النار التي طرحتها مصر الأسبوع الماضي في محاولة لإنهاء الاعتداء الإسرائيلي الذي إستشهد فيه حتى الآن 645 فلسطينيا على الأقل بالإضافة إلى 29 عنصراً اسرائيليا وثلاثة إسرائيليين مدنيين في فلسطين المحتلة بينهم عامل أجنبي.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن المبادرة تضمنت في أغلبها شروطا اسرائيلية وأمريكية لوقف إطلاق النار. ولدى المقاومة مطالب خاصة لوقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل ومن بينها الإفراج عن سجناء ورفع الحصار الاقتصادي.
وبعد رفض المقاومة وحماس للمبادرة المصرية اتجهت كل العيون صوب الدوحة وقال مصدر قطري رفيع لرويترز إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس التقى هناك الاثنين الماضي زعيم حركة حماس خالد مشعل الذي يعيش في العاصمة القطرية.
وإعتبر مسؤول في القاهرة إن الحرب على غزة "جزء من صراع إقليمي بين قطر ومصر وتركيا."
وأضاف "حماس.. ركضت إلى قطر التي تكرهها مصر كثيرا لتطلب منها التدخل. وفي النهاية نحن واثقون من أن حماس ستصل لتسوية بشأن اتفاق يتشابه جدا مع المبادرة التي طرحتها مصر لكن بتوقيع الدوحة."
وزار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري القاهرة هذا الأسبوع ويرجح أن يتوسط بين قطر ومصر وتركيا لإنهاء القتال في غزة.
وقال دبلوماسي مصري "المعضلة الآن هي التوصل لاتفاق بين مصر وقطر. ومن الواضح أن حماس فوضت قطر لتكون الناطق باسمها في المحادثات."
وأضاف "كيري هنا في محاولة للتوسط بين قطر ومصر للاتفاق على صفقة ستوافق عليها حماس."
وقال مصدر آخر في وزارة الخارجية "سيطلب كيري من مصر إضافة شروط حماس ثم سيذهب إلى قطر ويطلب منها أن تطلب من حماس الموافقة على الاتفاق المعدل."
لكن كيري حث حماس في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري بالقاهرة أمس الثلاثاء على السعي لمفاوضات سلام مع العدو في قطاع غزة استنادا للمبادرة المصرية.
ولاسباب تتعلق بالتاريخ والجغرافيا تنظر مصر دائما لنفسها على أنها الوسيط الأكثر فعالية في الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني في غزة.
لكن منتقدين يقولون إن الحكومة المصرية المعادية للجماعة الإسلامية بشدة تحاول الضغط على حماس للقبول بهدنة تقدم تنازلات قليلة للحركة. ويقولون إن هدفها هو إضعاف الحركة والقوى الاسلامية المتحالفة معها في مصر.
وقال زعماء حماس إن مصر لم تتشاور معهم بشأن مبادرتها التي لم تعالج مطالبهم.
وفي وقت يجري فيه التعامل مع جهود السلام بحذر يبدو الآن أن قطاع غزة اختبار للقوة في صراع على النفوذ الإقليمي.
تدخل
قال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن الوساطة بشأن غزة شهدت "الكثير من التدخل السياسي".
وأضاف "قطر كانت غير راضية عن (خطة) وقف إطلاق النار المصرية. وهم غير مرتاحين جدا لأنها جاءت من مصر ويحاول القطريون تقويض مصر سياسيا والضحية هو وقف إطلاق النار الذي اقترحته مصر."
وتابع "المشكلة هي – من سيقدم وقف إطلاق النار؟ من سيفوز في المباراة الأولى بين المعسكرين السياسيين الجديدين في العالم العربي؟".
وأصل الخلاف يعود إلى المواقف المتناقضة من جماعة الإخوان المسلمين التي ساهمت في الاطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية عام 2011 قبل أن يطاح بها من السلطة العام الماضي.
وتتحدى أيديولوجية الجماعة مبدأ الحكم الوراثي المحافظ المهيمن منذ فترة طويلة في الخليج. ويقيم بعض الأعضاء القياديين بالجماعة في قطر ويبثون آرائهم عبر وسائل الإعلام القطرية مما أثار غضب دول الخليج العربي الأخر خصوصاً السعودية.
ويشك منتقدون في أن قطر ترغب في تحسين صورتها دوليا والتي شابها ادعاءات حول حقوق العمال الفقراء استمرت لأشهر والفساد المزعوم بشأن نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 والتوترات السياسية مع جيرانها العرب في الخليج.
لكن الحكومات الغربية ترى قطر كوسيط إقليمي كبير محتمل بسبب روابطها مع الحركات الإسلامية في مصر وسوريا وغيرها.
وتنفي قطر أي دوافع خفية وتشير إلى أن واشنطن طلبت منها صراحة اجراء محادثات مع حماس. وقال وزير الخارجية خالد العطية يوم الأحد إن دور قطر كان مجرد تسهيل الاتصال.
"يجب أن تتوقف اراقة الدماء"
قال مصدر مطلع على المسألة إن قطر لن تضغط على حماس لتغيير أو تقليص مطالبها.
وفي السعودية حيت تزداد الشكوك بشأن حماس بشكل خاص لتحالفها مع جماعة الإخوان وإيران خصمها الإقليمي الرئيسي .. تخلت الصحف السعودية عن تقليد إلقاء اللوم على العدو الإسرائيلي وحدها وهاجمت أيضا الحركة الفلسطينية.
وكان عنوان مقال رأي كتبه فادي إبراهيم الذهبي بجريدة الجزيرة اليومية يوم الأحد هو "قيادة حماس من الدم المصري إلى الدم الفلسطيني"، زعم فيه أن حماس قامت بتأجيج الحرب في غزة ليس لتحرير فلسطين ولكن كجزء من حملة إخوانية أوسع نطاقا ضد حكومة مصر لكسب ود إيران!
(رويترز / نبأ )